يجب تحكيم الشرع الإسلامي في الخاطفين
لسماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد.. فمن المعلوم لدى كل من له أدنى بصيرة أن اختطاف الطائرات وبني الإنسان من السفارات وغيرها من الجرائم العظيمة العالمية التي يترتب عليها من المفاسد الكبيرة والأضرار العظيمة وإخافة الأبرياء وإيذائهم ما لا يحصيه إلا الله. كما أن من المعلوم أن هذه الجرائم لا يخص ضررها وشرها دولة دون دولة، ولا طائفة دون طائفة، بل يعم العالم كله، ولا ريب أن ما كان من الجرائم بهذه المثابة فإن الواجب على الحكومات والمسئولين من العلماء وغيرهم أن يعنوا به غاية العناية، وأن يبذلوا الجهود الممكنة لحسم شره والقضاء عليه، وقد أنزل الله كتابه الكريم تبيانًا لكل شيء وهدًى ورحمة وبشرى للمسلمين، وبعث نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين وحجة على العباد أجمعين، وأوجب على جميع الثقلين الحكم بشريعته والتحاكم إليها ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتابه وسنة رسوله محمد صلى الله عليه وسلم كما قال عزَّ وجلَّ : (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا).
وقال تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكمًا لقوم يوقنون).
وقال عزَّ وجلَّ: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خيرٌ وأحسن تأويلاً).
وقد أجمع العلماء رحمهم الله على أن الرد إلى الله هو الرد إلى كتابه الكريم وأن الرد إلى الرسول هو الرد إليه في حياته وإلى سُـنّته الصحيحة بعد وفاته عليه الصلاة والسلام.
وقال سبحانه: (وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله).
فهذه الآيات الكريمات وما جاء في معناها كلها تدل على وجوب رد ما تنازع فيه الناس إلى الله سبحانه، وإلى الرسول عليه الصلاة والسلام، وذلك هو الرد إلى حكم الإسلام والحذر مما خالفه في جميع الأمور، ومن أهم ذلك الأمور التي يعم ضررها وشرها كمسائل الاختطاف.
فإن الواجب على الدولة التي يقع في يدها الخاطفون أن تحكم فيهم شرع الله لأنه يترتب على جريمتهم الشنيعة حقوق لله وحقوق لعباده وأضرارا كثيرة ومفاسد عظيمة منتشرة وليس لها حل يقطع دابرها ويحسم شرها إلا الحل الذي وضعه أحكم الحاكمين وأرحم الراحمين في كتابه الكريم وبعث به أنصح الخلق وأفضلهم وأرحمهم سيد الأولين والآخرين ورسول رب العالمين محمدًا عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم وهو الحل الذي يجب أن يرضى به الجميع الخاطفون والمخطوفون ومن له صلة بهم وغيرهم وأن تنشرح له صدورهم إن كانوا مؤمنين، فإن لم يكونوا مؤمنين فقد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتحكيم الشرع فيهم في قوله سبحانه: (وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم).
وقوله عزّ وجلّ: (وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط) الآية.
وبناء على ما ذكرنا فإن الواجب على حكومة السودان في حادث السفارة السعودية في الخرطوم تكوين لجنة من علماء الشرع الإسلامي للنظر في القضية ودراستها من جميع جوانبها والحكم فيها بشرع الله.
وعلى حكومة الكويت في حادث السفارة السعودية في باريس مثل ذلك ولا مانع من إيجاد محكمة كبرى تتفق عليها الحكومتان المذكورتان يندب إليها جماعة من علماء الشرع الإسلامي من علماء المذاهب الأربعة في الكويت أو السودان أو غيرهما لدراسة القضية وبيان حكم الشرع الإسلامي فيها، وعلى هؤلاء العلماء أن يحكموا في القضية على ضوء الأدلة الشرعية من كتاب الله وسُـنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وأن يستضيئوا في ذلك بما ذكره علماء التفسير عند آية المحاربين من سورة المائدة وما ذكره العلماء في كل مذهب في (باب حكم المحاربين) ثم يصدروا حكمهم معززًا بالأدلة الشرعية.
وعلى الحكومتين اللتين وقع الخاطفون في سلطانهما تنفيذ الحكم طاعة لله سبحانه وتعظيمًا لأمره، وتنفيذًا لشرعه وحسمًا لمادة هذه الجرائم العظيمة ورغبة في القضاء عليها ورحمة للمخطوفين وإنصافًا لهم.. أما القوانين فكلها من وضع البشر ولا يجوز لأهل الإسلام التحاكم إليها وليس بعضها أولى بالتحاكم إليه من بعض؛ لأنها كلها من حكم الجاهلية ومن حكم الطاغوت الذي حذر الله منه ونسب إلى المنافقين الرغبة في التحاكم إليه كما قال تعالى: (ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيدًا وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودًا).
فلا يجوز لأهل الإسلام أن يتشبهوا بأعداء الله المنافقين بالتحاكم إلى غير الله والصدود عن حكم الله ورسوله.
ولا يجوز أن ي