وما الضرر لو أُلغي “الفن” من بيئة المسلمين
بقلم
الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
سموه فناً وما كان بفن في يوم من الأيام، ولا مت إليه بصلة ولكنهم أرادوا أن يضعوا للهو اسماً خداعاً كي يُروج في بيئة الإسلام والمسلمين فوضعوا له اسم (الفن).
وما أن صحا المسلمون في مطلع هذا القرن من غفوتهم الطويلة، حتى رأينا من عوامل تنويمهم وإرجاعهم إلى انتكاستهم واستكانتهم ما رأينا.. وأكبر هذه العوامل هو ذلك اللهو الخبيث الذي جمع تحت اسم الفن ما جمع من ألوان الغناء والتمثيل والرقص.. ما أطاح بأخلاق المجتمع وعصف بدينه.
وقد كثر الكلام عن هذا اللهو باسم الفن،وانطلق المروجون له بالإشادة به حيث لا يستحق. فقيل عنه من قبل: إن الأغنية أبعد أثراً في نصرة الجيش من المدفع ومن قوة الصاروخ، وإنها تعمل في العدو بجيش قليل العدد قليل العدة قليل الخبرة قليل التجربة ما لا تفعله صواريخ الجيش الكامل المدرب!!
وانطلقنا على هذا الأثر.. وفشا الفن وقالوا عنه إنه ازدهر، وفشا الغناء، وعم التمثيل وطم في المسرح والسينما، وفيه القليل من الوطنية المفتعلة والتي لا تؤثر إلا قليلاً وقد تكون بطريقة عكسية وفي عدد ضئيل من الناس، وفيه الكثير من الهراء والفحش والفجور وجرح الفضيلة وقتل الحياء والقضاء عليه في النفوس، وجر الناس إلى الفوضى والتحلل والخروج على الدين والأخلاق.
وكانت النتيجة أن خضنا حرباً بعد هذا الازدهار الفني الذي عشنا فيه وفرحنا به، فكانت الانتكاسة التي تعاني منها الآن أربع دول عربية: فلسطين والأردن وسوريا ومصر.
ثم بعد ذلك لم نتعظ ولم نعتبر وجئنا ثانية نشجع (الفن) و(الفنانين)، ونمنحهم الألقاب والأوسمة في الوقت الذي نزلوا فيه بأخلاق الشعب وقيمه وعقيدته إلى الحضيض. وأصبحنا لا نجد إلا استهتاراً وعبثاً وتحللاً واختلاساً، وإهمالاً وتسيباً وسلبية أمام كل شيء نيطت بنا مسئوليته.
فضاعت أخلاق الفرد، وانهار بناء الأسرة، وتشوهت قيم الدولة ومثلها، وأصبحنا نجد أنفسنا وسط جيل غلب عليه الشر، وسيطرت عليه الأنانية، وظهرت بمظهر عدم الخوف من الله. فصار لا يعبأ بوطنه، ولا بالمصالح والمرافق العامة، ولا يعنيه إلا الكسب الشخصي المؤقت ومن أي طرق،وانعكس هذا كله علينا جميعاً: غلاء في الأسعار، وضيق في الأقوات، وتأزم في الحياة عموماً. كلما بحثنا عن حل جدت لنا عقدة.
ونحن في وسط ذلك نعمه في بحار ((الفن)) ونعيش فيه وبه، ولا نتحدث إلا عنه، ولا اهتمام لدولتنا ورجال الحكم فينا إلا بأهله: أولئك الذين ضيعوا الخلق، وقبروا الفضيلة وأشاعوا الإباحية والاستهتار.
هؤلاء القائمون بالفن والمشجعون له قد حق فيهم قول الله سبحانه: ((وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ*وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ ءَايَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ))(1) [لقمان: 6-7].
وإننا نجد لهو هذا الحديث قد أضل الناس عن سبيل الله فألهاهم التليفزيون بمشاهده الوبيئة عن ذكر الله وعن الصلاة، فيوذن المؤذن لجمع الناس إلى الصلاة، ولكن هؤلاء أمام تلك المشاهد الضالة المضلة قد نسوا الله فأنساهم أنفسهم، ونسوا الصلاة ووقتها، وتركوا أنفسهم في غمرة ساهون أمام ذلك الجهاز الذي يحمل إليهم الخبائث في مسرحية أو تمثيلية أو أغنية، وتركوا بيوت الله خاوية لا يجتمع للصلاة فيها إلا الرجل والرجلان أو الثلاثة، وحول المسجد من العمائر التي تعج بالسكان مما لو نزل من كل عمارة أربعة أفراد فقط لاجتمع للصلاة المائة أو المئات..
ولكن الفن – واحسرتاه – قد غلب عليهم واستحوذ فأنساهم ذكر الله، أولئك هم الخاسرون. وبيت هذا شأنه وأسرة يجلس ربها هذه الجلسة أمام ذلك الجهاز المدعو (بالتلفاز)، أو جهاز المذياع ماذا يكون من أمر زوجته وأولاده؟ لن يكونا إلا كما صورهم الشاعر القديم في هذا البيت من الشعر:
إذا كان رب البيت بالدف ضارباً فشيمة أهل البيت كلهم الرقص
هذا ما ينعكس من هذا الفن على الأسرة المسلمة وعلى رب الأسرة المسلمة الذي قال له الله: ((وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى)) [طه: 132].
فبدل أن يأمرهم بالصلاة – وهذه هي رسالته – صار يأمرهم الفحشاء والمنكر.
وهنا يكمن السر في تهتك النساء، وتحلل البنات، وتفسق الشبان، وظهورهم بتلك المظاهر التي خلعتهم من سمت المسلم وكماله وخلقه إلى ذلك الشكل الشائه الذي شابهوا به أهل الفسق والفجور من غير المسلمين أوروبيين وغيرهم.
وقد انعكس هذا التدمير للأخلاق الإسلامية الذي امتد إليها من أجهزة الفن على العلاقات داخل البيت، فانفصمت الرابطة بين الزوجين وتحولت من تآلف ووئام