وما الذي يضير الإسلام لو أننا شطبنا التصوف من بيئة المسلمين
بقلم الدكتور: إبراهيم إبراهيم هلال
– 2-
وما بقى بعد ذلك من مقالة كاتب مجلة التصوف، العدد الثاني، هو ضغطه على ما يسميه اختلافًا بين أصحاب الآراء من المجتهدين، وتبريره، وإن كان في الواقع ليس اختلافًا، ولكنه جعله اختلافًا ليبرر به وجود التصوف في البيئة الإسلامية، وأنه إذا كان للتصوف والصوفية مشربهم واتجاههم الخاص، فهذا اتجاه واجتهاد، وإن اختلف مع اتجاه الأمة العام وأصل الإسلام وما جاء به. هكذا يقول كاتب مجلة التصوف. وكما قلت من قبل فإنه ليس في أصول الإسلام أو عقائده أو عباداته اجتهاد لأن هذه كلها ثابتة بالنص، ونصوص القرآن الكريم والحديث الشريف فصلت ذلك تفصيلا. وقد جاء الإسلام لعقيدة الإنسان وفطرته ونفسيته الخاصة كإنسان يريد اللَّه أن يحييه بهذا الدين، وبهذه العقيدة.
وفطرة الإنسان واحدة لا تختلف من إنسان لإنسان، ولا من زمان إلى زمان آخر. فما خرج على الجماعة فقد خرج على الفطرة العامة وخالف طبيعة الدين. فلم هذا التزيد والإضافة على الإسلام ما ليس منه؟.
ثم تأتي أيها الكاتب بعد ذلك، وتقول عن هذا الاجتهاد أنه اختلاف وتبرره؟.
ولم هذا الاختلاف أمام تلك الأصول الواحدة، والعبادة المنصوص عليها، والأصول التي جاءت للفطرة؟ !.
ومع تحمسك إلى إثبات هذا الاختلاف وإقراره، فإني ألمح أيضا تناقضك بين ما تحمست له من إثبات الاختلاف وبين ما فطرت عليه من انطباع على الوحدة والجماعة، فقد قلت في هذا المقال: ” أما بعد فإن الاختلاف الفكري كما قررنا وكررنا على الفروع الدينية ضروة شرعية، وطبعية… وأنه يستحيل جمع الناس كلهم على رأي واحد في مسائل فرعية ما دام مرجع الجميع كتاب اللَّه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم “، وعلى هذا فلا اختلاف إذا نظر الناس هذه النظرة !!.
ولكنك بعد ذلك حشدت مقالك بعبارات توكيد الخلاف وإرسائه مثل قولك: ( فإن الناس يعبدون اللَّه بما صح عندهم، لا بما صح عند غيرهم )، فالعبادة هنا إذن بالهوى، لا بما صح عن الرسول صلى الله عليه وسلم وقرآن اللَّه !!!.
وإذا عبد الله بما صح عند كل إنسان، فقد تعددت الاتجاهات، وزاد الخلاف وكثر المختلفون.
ومثل قولك: ( على اختلاف اتجاهاتهم )، وإذا كان هناك اختلاف في الاتجاهات فكيف يجتمع ذلك مع الاجتماع على كتاب اللَّه وسنة رسوله، وهما الوجهة الواحدة كما هو الأساس؟
ثم إنك قد بررت هذا الاختلاف بالهوى لا بالحق والاتجاه إليه فقلت: (… وبخاصة عندما يكون اختيار المذهب أثرًا للتوافق الطبعي بين المذهب والتكوين الذاتي للإنسان، كما يفضل الإنسان طعاما، أو شرابا، أو يتأذى من طعام، أو شراب، فللحالة النفسية دخل كبير جدًا، في اختيار المذهب والرأي ).
فمتى كان للحالة النفسية اعتبار عند اللَّه في اختيار المذهب والرأي؟. ألم تقرأ قوله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَن يَهْدِيهِ مِن بَعْدِ اللَّهِ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ}؟. وألم تقرأ قوله صلى الله عليه وسلم: ( حفت الجنة بالمكاره، وحفت الجحيم بالشهوات )؟.
وهل كان الأئمة السابقون كأبي حنيفة ومالك والشافعي وغيرهم يختارون آراءهم بناء على الحالة النفسية؟ أم بناء على الإيمان والنظر والترجيح بالأدلة؟.
إذا كان هذا كله تبريرا للتصوف ولوجوده، فإنه وجود معدوم ووجود مفقود، وإنه لا يقنع، ولن يقنع النفس الإنسانية في اتجاهها إلى اللَّه وعبادتها إياه.
ثم تأتي أيها الكاتب وتبرر إيجاد اختلاف بين المسلمين مستدلا في ذلك بجزأين من آيتين قرآنيتين في غير ما وردتا له، وهما قوله تعالى: {…. وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ118 إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ}. فهما جزءان من آيتين قرآنيتين أدمجتهما في بعضهما، وجعلت منهما آية متكاملة لتستدل بها على رأيك الخاص حسب هواك.
والآيتان قد وردتا بصدد تقرير حال الناس وتوزعهم بين الإيمان والكفر بناء على اختيارهم هم، ولكنك أخذت منهما هذين الجزأين اللذين لا يدلان على السياق الذي وردتا فيه، وتركت بقية أجزاء الآيتين.
والآيتان بكمالهما هما قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ118 إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ}: هود: 118،، فقد تركت من الآية الأولى قوله تعالى: {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً…} كي تصنع من الجزء الذي بعدها دليلا حسب هواك وقد نطقت الآية هنا بكلمة ( الناس )، ولم تقل المؤمنين. وهي إذا كانت تقريرية في اختلاف الناس بين الإيمان والكفر، فإن أسلوبها يعطي عد