وأمر أهلك بالصلاة
بقلم: عبد الحافظ فرغلي
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول اللَّه..
يقول اللَّه تعالى: {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاَةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لاَ نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى} 132 سورة طه.
أمر اللَّه نبيه أن يأمر أهله بالصلاة ويصبر وهو يدعوهم إليها، وأخبره أنه لا يسأله رزقا، بل هو الذي يرزقه. وأخبره أن العاقبة الطيبة للتقوى.
في هذه الآية مسائل:
الأولى: أن الأمر في الآية مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم وهو قد انتقل إلى الرفيق الأعلى، وبقيت الآية ناطقة. فمن تخاطب إذًا؟ إنها تخاطب المسلمين من بعده عليه الصلاة والسلام. وكل أمر أو نهي في القرآن مخاطب به النبي صلى الله عليه وسلم فهو لأمته من بعده ما دام جاء مطلقا غير مقيد. فيكون معنى الآية: يا أيها المسلمون مروا أهلكم بالصلاة، واصبروا على هذا الأمر، واللَّه لا يسألكم أن تعطوه رزقا. بل هو الذي يرزقكم، والعاقبة الحسنة التي تحبونها إنما هي للتقوى.
الثانية: أن أهل الإنسان هم أصله وفرعه وما يتعلق بهما. فالآباء والأمهات وإن علون، وما يتعلق بهم هم أهل، والأبناء وما يتعلق بهم هم أهل. وعلى ذلك فالأعمام والعمات والأخوال والخالات وما يتعلق بهم هم أهل. والأبناء والأحفاد وما يتعلق بهم من زوجات هم أهل. وكل هؤلاء أهل الإنسان. وكل فرد منهم أيضا هم أهل لبقيتهم. وهذا الفرد أيضا مطالب أن يأمر بالصلاة. فيكون مقتضى الآية أن الجميع مطالبون بهذا الأمر، وهو أن يأمروا غيرهم من أهلهم بالصلاة. وما أحسن أن يأمر الصبي الصغير الرجل الكبير من أهله بالصلاة إن رآه مقصرًا فيها، والكبير يأمر الصغير بها، والمرأة تأمر زوجها، والرجل يأمر زوجته، وبقيتهم كذلك.
الثالثة: الصلاة ذاتها: فإن الأمر بها مختلف، فتارة يكون أمرا بأدائها، وتارة يكون أمر بالمحافظة عليها وعلى وقتها ومحلها. فمن صلى فحسب لا يكون مصليا حتى يقوم بالصلاة على وجهها. ونحن نعرف أناسا يصلون في بيوتهم ولا يذهبون إلى المسجد إلا يوم الجمعة، فهؤلاء مضيعون محل الصلاة. ومنهم من يصلون الصلاة في غير وقتها، فيصلون الظهر في وقت العصر، ويصلون العصر في وقت المغرب، وهكذا، فهم مضيعون للوقت، ومنهم من يضيعون الصلاة ذاتها، فلا يحافظون على قيامها وركوعها وسجودها ولا يخشعون فيها، فهؤلاء مضيعون لذات الصلاة. فمن أمر غيره بالصلاة فلا يغفل عن هذه الجوانب. فرب مصل في أول الوقت وهو مضيع للخشوع، ورب خاشع في الصلاة وهو مضيع للوقت. والصلاة إذا أديت على الوجه المشروع كان لمؤديها من الشعور بحلاوتها ولذتها ما يزيده حبا فيها وإكثارا منها. فإنها لقاء مع اللَّه ومناجاة له وسماع لكلامه وقرب منه وصعود إلى الملأ الأعلى تمثلاً وتخيلا.
الرابعة: ولما كان أمر الأهل بالصلاة كبيرا- وغير الأهل كذلك- إلا على الخاشعين كما قال سبحانه، فقد ذكرت الآية الصبر وزادت فيه حرفا في بناء الكلمة. وزيادة الحرف في بناء الكلمة يدل على زيادة المعنى. فكأن الصبر على الأمر بالصلاة ينبغي أن يكون صبرا زائدا على غيره. والآمر بالصلاة ينوع: تارة يرهب، وتارة يرغب، بحسب الحال، ويكون قصده تحقيق هذا الأمر وهو إقامة الصلاة. ولا بأس من الترغيب في الطاعة رغبة في مرضاة اللَّه وجزائه ورغبة أيضا في شيء من أشياء الدنيا مما يرغب الناس فيه. فقد ورد أن سلفنا كانوا يصنعون العرائس من العهن يلهين بها الصبية يلعبون بها ليتصبروا عن الطعام ويتعودوا الصيام.
الخامسة: ولما كان الأمر بإقامة الصلاة في أول وقتها وفي المسجد، وخاصة في محيط التجار والصناع، يتوهمون أنه مفوت عليهم أرزاقهم، فيؤخرون وقتها ويؤدونها نقرا، كان في الآية إشارة إلى النهي عن هذا وإقامة مفهوم صحيح بدله، وهو أن اللَّه لم يكلف عبده أن يرزق نفسه، بل هو الذي يرزقه. فيجب أن لا يقصر في طاعته. وربما جادل في هذا المجادلون فقالوا إن اللَّه لا ينزل الأرزاق من السماء بل جعلها في الأرض وكلفنا البحث عنها. وهذا- كما قيل- كلمة حق أريد بها باطل. إن اللَّه سبحانه يرزق عباده من غير عمل منهم يساوي هذا الرزق، فلا يكون الرزق على قدر العمل حتى يقال من عمل كثيرًا رزق كثيرا. والواقع بين أيدينا شاهد على ذلك. وأيضا فإن طاعة اللَّه في الصلاة لا تستنفد كل الوقت بل هي عشر الوقت عند المحسنين وأقل من ذلك عند غيرهم.
وللآية معنى ثان: وهو أن بعض الناس المقصرين في الصلاة يحسبون أنهم لو قدموا في طاعة أخرى جهدهم فإن هذا يغني عن الصلاة، كمن يكون عنده مال كثير فيذهب يبني مساجد ويوقف أوقافا للفقراء والمساكين، وهو لا يصلي، ويظن أن هذا يعوضه عن الصلاة. فكأن الآية تقول له: إن اللَّه لا يسأل الناس أرزاقا أي أموالا تقدم باسمه، فإنه ليس فقيرا بل هو غني وهو الذي يعطي، وإنما يطلب من عباده طاعة وصلة به وخشوعا له وذلا. وهذا كله قائم في الصلاة. ورب بان لمسجد و