هذا هو الطريق
بقلم: فضيلة الأستاذ الشيخ محمد الغزالي
الفقر الحقيقي في الأمة الإسلامية يرجع إلى هذا الشلل الغريب في الهمم والمواهب وهذا التخلف السحيق في مجال الإنتاج والإجادة.
ثم إلى ذلكم العبث بمعنى الإيمان، والنكوص عن منطقه.. إلى جانب تعلق وضيع بالشهوات ونهمه بادية إلى الدنيا!..
وما نصف خصومنا بأنهم يكرهون الحياة وملذاتها، بيد أن الأمم القوية تبلغ ما تهوى بوسائلها الخاصة، أما الأمم الضعيفة فهي تلهث وراء غيرها، أو تتعلق بركابهم تعلق المتسلقين بمركبات النقل، أو تعلق المتسولين بأذيال السادة.
والنهوض الحقيقي هو زوال هذه العلل، وفناء جراثيمها، وقدرة الأمة على الاستغناء بعلمها وإنتاجها والاستهداء بإيمانها وفضائلها، والاستعلاء على متاع الدنيا بحيث تأخذ منه بقدر، وتنصرف عنه متى تشاء!
ويؤسفني التصريح بأن الشعوب الاسلامية، حتى يومنا هذا لم تبدأ نهضة صحيحة، وأن مظاهر التقدم التي نراها أو نسمع عنها هي امتداد لنشاط القوى الكبرى في العالم أكثر مما هي تطلع المتأخرين للتقدم.
فالغرب الصليبي يصطنع شعوبًا شتى لخدمة مآربه ويمدها بكثير من عونه المادي وقليل من تقدمه الحضاري، والشرق الشيوعي ينافسه في ذلك الميدان، ويحاول الاستفادة من أخطائه، أو يحاول ميراثه إذا انتهى من مكان ما.
وجمهرة المتعلمين أوزاع، بعضهم يؤثر النمط الغربي في الفكر والسلوك، وآخرون قد اعجبتهم الماركسية فاصطبغوا ظاهرًا وباطنًا بنزعتها..
أما الذين يتشبثون بالعقائد والفضائل الإسلامية ويريدون بناء المجتمع الكبير على دعائم الوحي المحمدي فقلة غامضة من الناس، ولا أقول منكورة الوجهة منكودة الحظ..
هبْ أن ثورة قامت في جنوب اليمن تجعل الحياة الصينية أو الروسية مثلها الأعلى ، أتكون هذه الثورة نهضة إسلامية ؟ أم تكون نجاحًا للفكر الشيوعي العالمي؟!
من أجل ذلك قلت: إن الشعوب الإسلامية لم تبدأ بعد نهضة صحيحة، تكون امتدادًا تاريخيًا لها، وإبرازًا لشخصيتها أو إنماء لأصلها وتثبيتًا لملامحها..
ومن الغلط تصور أني أحرم الاستفادة من تجارب الآخرين ومعارفهم!! كيف وهؤلاء الآخرون ما تقدموا إلا بما نقلوه عن أسلافنا من فكرٍ وخلق ووعي وتجربة؟؟
إن دولة الخلافة الراشدة اقتبست في بناء النظام الإسلامي من مواريث الروم والفرس دون غضاضة.
وعندما آكل أطعمة أجنبية أنا بحاجة إليها فالجسم الذي نما هو جسمي، والقوى التي انسابت فيه هى قواى!! المهم عندي أن أبقى أنا بمشخصاتي ومقوماتي!
والمهم أن أبقى وتبقى في كياني جميع المبادئ التي أمثلها والتي ترتبط بي وأرتبط بها، لأنها رسالتي في الحياة ووظيفتي في الأرض.
هذا هو مقياس النهضة، وآية صدقها أو زيفها، فهل في العالم الإسلامي نهضات جادة تجعل الإسلام الحنيف وجهتها والرسول الكريم أسوتها؟؟
إننا هنا شديدو الحرص على جعل البناء الجديد ينهض على هاتيك الدعائم.
وإذا كنا نستورد من الخارج ثمرات التقدم الصناعي، وننتفع من خبرات غيرنا من آفاق الحياة العامة، فليكن ذلك في إطار صلب من شرائعنا وشعائرنا.
فإنه لا قيمة لأحدث آلات التقدم إذا تولى إدارتها قلب خرب، ولا قيمة لأفتك الأسلحة إذا حاول الضرب بها فؤاد مستوحش مقطوع عن الله مولع بالشهوات.
أن بناء النفوس والضمائر يسبق بناء المصانع والجيوش.. وهذا البناء لا يتم إلا وفق تعاليم الإسلام.
تنشئة تصوغ الأجيال الجديدة ، وتقاليد تحكم العلاقات السائدة، ورعاية ظاهرة وباطنة للعبادات المفروضة، ومُعالَنَة جازمة بما في الدين من أهداف ومقاطعة حاسمة لما يعترضه من مسالك.
وكل بناء معنوي للأمة يتنكر للإسلام أو يخافت بذكره أو يغض من شأنه فهو مرفوض جملة وتفصيلا!
ولقد جربنا جعل مظاهر المدنية فوق باطن فارغ مظلم فماذا صنعنا؟! صنعنا ناسًا (إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم).
وهذا اللون من الناس فاشل في سلمه، مخذول في حربه ما تسانده إلى غاية أرض ولا سماء.
البناء الحقيقي للنفوس يستهدف أمرين جليلين:
أولهما: إسلامي بحت يحرك المسلم من يقظة الفجر إلى هدأة الليل بحماس العقيدة، وطهر الصلاة وشرف الإخلاص ، وحب الله ورسوله.
وكلتا الجبهتين الشرقية والغربية تكره ذلك الأمر وتأبى أن يأخذ الإسلام طريقه في الحياة بهذا الوضوح.
والأمر الآخر حيوي بحت، أساسه العلمي والعملي في كل أفق امتدت إليه الحضارة الحديثة من استصلاح للتربة إلى غزو الفضاء!
ولنكن صرحاء ! إن هذا التفوق لا يولد من تلقاء نفسه، إن التبرير في هذا المجال يتطلب رغبة في المعرفة، وشوقا إلى المجهول أو عزمًا على اقتحام كل عقبة، وهذه المشاعر لا تلدها إلا عقيدة مكينة!
وإذا كانت الحاجة أم الاختراع كما يقولون، فإن العقيدة المسيطرة أقوى من الحاجة في الاندفاع والتحمل واستشفاف الغيوب!
أن الجندي المؤمن يرمق الظلام في جنح الليل بطرف يكاد يخترق سدوله، ويبحث عن ألف حيل