نفحات قرآن
حقيقة الإيمان في الإسلام
بقلم
بخاري أحمد عبده
موجه التربية الدينية واللغة العربية بالإسكندرية
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا*أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا*وَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)) [النساء: 150-152]
في سياحتنا السابقة خلال هذه الآيات رأيناها تكشف حقيقة الإيمان وعناصره في دقة تقطع الطريق على المتكلفين وتقرر وحدة الإيمان وأن الكفر بنبي كفر بالله ورسله، ورأينا تنديداً بملتاثي القلوب، وتهديداً للقائلين نؤمن بما أُنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقاً لما معهم. وللمذبذبين المتأرجحين إشباعا للأهواء، أو تزلفاً للأعداء.
وقرأنا يومئذٍ قرآناً يشخص أدواء الكافرين، ودوافع حمقى المسلمين، ويسد على الإسلام ثغر الشر، ويشجب مشاعر الوهن والهوان. ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ(51)فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ … إلخ))(1) [المائدة: 51 –56].
والآيات – كما ترى – توحي بأن الذوبان في الكافرين مثار فتنة، وسبب انهيار، وسبيل ارتداد. ولخطورة أمر الذوبان في القوى المضادة يهتم القرآن به اهتماماً بالغاً، ويجعل الاستقلال عنهم، والصلابة في مواجهتهم باب العزة وصنو الجهاد كما سيأتي إن شاء الله. وكما يُفهم من قول الله تعالى: ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً)) [التوبة: 16].
وتجنيباً لمخاطر التميع والذوبان، وكشفاً لمغبات الانفتاح للأعداء انفتاحاً يمكن من المداخل والمخارج،يقول الله تعالى في آية أخرى: ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ …))(2) [آل عمران: 118].
ورغم الوضوح البين، والخطة الرشيدة التي تبسطها الآيات تجد بين الأدعياء من بلى القرآن في صدره وتهافت كما يتهافت الثوب الخلق، فلم يعد يذكي فيهم الروح أو يثير النخوة، أو يضرم أحاسيس العزة. فهم لا يزالون يتحركون في الحفر حركات دودية – ومشاعر الذل تنتفض في أعماقهم – مستهدفين مبادئ الدين، وعقيدة المسلمين.
من ذلك ما قرأنا في طريق الهوان من كلمات مسمومة مسنونة تحت عنوان، الإسلام والأديان. يلوك صاحبها فكراً رم وبلى في أفواه المستشرقين، ويردد قول اليهود: أن محمداً نبي الأميين فقط، ويروج في الناس أن اليهودية والنصرانية ينجيان ويغنيان – فالأديان كلها عنده سواء، ومناط النجاة الإيمان بالله، والاستقامة، ولا فضل – معهما – لملة على ملة، ويحشد الكاتب آيات يلوي أعناقها لياً حتى تخدم هواه وتتبع وجهته.
يستقرئك قول الله: ((إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)) [البقرة: 62].
ويستشهد بقول الله: ((إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)) [فصلت:30].
والمريب يكاد يقول خذوني. فلا تعجب إذا رأيت الكاتب يكشف عن سوءته ويعلل مذهبه بتلك الفلسفة التي تنم عن روح مسترقة هلوع.
يقول: إن المسلمين قلة أذلة، وإن الله قد حسب حساب مستقبل مظلم ينتظر المسلمين، وعمل على أن يجنبهم عواقب احتكاك غير متكافئ بالملل الأخرى، فأعلن ألا تكفير، بل تسامح، وتواد، ورضا ببوارق الإيمان التي تتاح، وبالاستقامة.
ورأيه أن الله بهذا الصنيع يحتال للمسلمين، ويقيهم صولات الأقوياء، ويكفل لهم أن يؤدوا رقصات النفاق بين القوى المضادة آمنين.
التدارؤ بالقرآن(3)
وأول ما تنكر في المقال التدارؤ بالقرآن. فقد روي عن عروة بن سعيد عن أبيه عن جده قال: سمع النبي صلى الله عليه وس