نصيحة إلى شيخ الأزهر
بقلم فضيلة الشيخ محمد على عبد الرحيم
الرئيس العام للجماعة
نشرت جريدة الجمهورية في عددها الصادر في 7/5/1977 ما يلي:
( أقام الشيخ عبد الحليم محمود شيخ الأزهر مسجدًا في قريته ( السلام ) بمركز بلبيس. أوصى عند وفاته بأن يُدفن في هذا المسجد ).
وقد أمرنا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم والترمذي عن تميم الداري أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ” الدين النصيحة” قالوا: لمن يا رسول اللَّه؟ قال: ” لله ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم”.
والمراد بأئمة المسلمين: القادة والرؤساء وأصحاب الرأي والعلم: فتشمل الملوك والأمراء والرؤساء والعلماء. ومن هنا نسوق هذه النصيحة الخالصة لشيخ الأزهر لعله يعمل بها، فيدرأ عن نفسه عاقبة من سن سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة.
إن وصية شيخ الأزهر بدفنه في مسجد من مساجد اللَّه عمل غير مشروع في الإسلام، وهو يعلم حقًا أن المساجد لله، وإذا اتخذت المساجد أضرحة للموتى، فتنت الناس في دينهم، وتعلقت قلوبهم بها، فدعوها من دون اللَّه، وقدموا لها القرابين والنذور، وشدوا إليها الرحال. وهذا يهدم صرح التوحيد الذي هو أساس دين الإسلام- وسدًّا لذريعة الشرك باللَّه: جاءت النصوص صريحة في النهي عن اتخاذ القبور مساجد، أو وضع القبور في المساجد، وإن كان البعض من المبتدعة كالصوفية يرونه تكريمًا للموتى، فهذا وهم باطل لا يعتمد على دليل ولا يستند إلى برهان. بل النصوص صريحة في لعن من فعل ذلك: ففي صحيح مسلم عن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “…. ألا وإن من كان قبلكم قد اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد، فإني أنهاكم عن ذلك” فكيف ينهى رسول اللَّه عن ذلك وشيخ الأزهر يفعله؟ وجدير به أن يقف عند حدود اللَّه، ومن يتعد حدود اللَّه فقد ظلم نفسه.
كما روى مالك في موطئه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ” اللهم لا تجعل قبري وثنًا يعبد، اشتد غضب اللَّه على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”.
فوضع القبور في المساجد، يهيئها لأن تعبد من دون اللَّه، بالدعاء، والنذر، والاستعانة، والاستغاثة، وغير ذلك من الأمور التي هي حق اللَّه وحده.
وإذا كان الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه لم يستثن نفسه، من اتخاذ قبره مسجدًا، فكيف يستثنى شيخ الأزهر نفسه، ويبني لنفسه من الآن قبرًا في مسجد بناه، ويوصي أن يدفن فيه؟
إن ذلك لأمر عجاب، ومشاقة لله ولرسوله.
فرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، حكم على من فعل ذلك بأنه من شرار الناس، فقال: ” إن من شرار الناس من تدركهم الساعة وهم أحياء،والذين يتخذون على القبور المساجد” وفي أحاديث أخرى خص قبور الأنبياء بالذكر لشدة التعلق بهم، فما بالك بغيرهم ممن لا يعرف عنهم شيء من الفضل أو القبول عند اللَّه. ويكفينا أن نقول فيهم: {تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
نذكر شيخ الأزهر بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير، جاء في الصحيحين عن عائشة رضي اللَّه عنها: لما نزل برسول اللَّه صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتم بها كشفها فقال: ” لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد”، يحذر ما صنعوا. ولولا ذلك لابرز قبره، غير أنه خشي أن يتخذ مسجدًا.
فتحذير الرسول صلوات اللَّه وسلامه عليه أكيد، ووعيده شديد. ذلك لأن القبور التي بالمساجد تتعلق بها قلوب العامة، أو من أضله اللَّه على علم، فيتضرعون عندها، ويخشعون ويخضعون كما يفعل عند أضرحة البدوي،والدسوقي وغيرهما،وأكثرهم يرجون البركة من الصلاة عندها، ويحلفون بالدعاء، ويتمسحون بأخشابها وحديدها ونحاسها، فلأجل هذه المفاسد نهى الشارع الحكيم عن اتخاذ القبور مساجد، أو أن يدفن في المساجد أحد.
وكفي تحذيرًا أن من فعل ذلك استحق من اللَّه اللعنة والعياذ باللَّه.
محمد على عبد الرحيم
فايل 6 المجلد 5 الأعداد 7 – 9
12
– 6 –