من وحي القرآن الكريم
بقلم: أحمد عبد الرحيم السايح
قال تعال في سورة إبراهيم: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء . تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَلِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ . وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ}..
وعن بلال بن الحارث المزني قال: سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول: ” إن أحدكم ليتكلم كلمة من رضوان اللَّه، ما يظن أن تبلغ ما بلغته، فيكتب اللَّه له بها رضوانه إلى يوم القيامة.. وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط اللَّه، ما يظن أن تبلغ ما بلغت، فيكتب اللَّه عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه”..
وإن الإسلام الحنيف يعمل على تربية المسلم، تربية تلزمه بقدسية الكلمة، تربية إسلامية، يحس منها أنه مسئول عن كل قول يلفظ به لسانه.. تربية فيها رقابة، والرقابة هنا مشددة، تنفذ إلى داخل النفس الإنسانية. رقابة تمنع الوسوسة من أن تتحول إلى لفظ مجسد مجسم، يضر بالعمل، ويسئ إلى المسلم والمجتمع، رقابة تمنع الإنسان من عثرات اللسان.
قال اللَّه تعالى في سورة ق: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْه ِمِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ . إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ . مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}..
وللوقاية من عثرات اللسان وحرصًا على الكلمة الطيبة.. بكل ما في الكلمة الطيبة، من معنى، ومفهوم، ومدلول.. حرصًا على هذا، عبر القرآن الكريم أجمل تعبير، عن الكملة بنوعيها: الطيبة والخبيثة.. وصورها أدق التصوير، يدركه من كان له قلب وعقل..
والقرآن الكريم يضرب الأمثلة من واقع الحياة.. حتى لا يشق على الناس الإدراك، أو يصعب عليهم الفهم، وحتى يكونوا على بينة من التربية العملية..
فالكلمة الطيبة يشبهها القرآن بالشجرة الطيبة التي أصلها ثابت في الأرض، ممتدة جذورها في الأعماق، وفرعها ممتد في الأفق العالي.. وهذا يوحي بالأصالة، والعمق، والفعالية، والتأثير..
ثم من فوق هذا.. إن هذه الشجرة مثمرة، تؤتي أكلها، كل حين بإذن ربها.. ومن ثم كان وجود الشجرة نافعًا ومفيدًا..
أما الكلمة الخبيثة.. فهي كالشجرة الخبيثة، التي لا تعتمد على أصل، ولا تنهض على سلوك نظيف، ولا قرار لها على الأرض، لأن وجودها عبث، وما كان ينبغي أن توجد، لذلك كان اجتثاثها من فوق الأرض، أمرًا لا مفر منه، ولا يثير عجبًا، ولا يشكل خطرًا..
وهذا المثل للكلمة في القرآن الكريم، لا يقدم مجرد صورة للكلمة بنوعيها: الطيبة والخبيثة، بل يقدم أيضًا صورة لنموذجين من الناس.
صورة المؤمن باللَّه ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيًا ورسولا..
فلوجود هذا المؤمن معنى، ولذلك فهو ثابت الأصل، يقدم للحياة ثمرة تفيد وتنفع.. لأن الإيمان قوة دافعة موجهة، قوة تسند الضعيف أن يسقط، وتمسك القوي أن يجمح، وتعصم الغالب، وتمنع المغلوب أن ييأس..
والرعيل الأول من المسلمين كانوا أساتذة الدنيا، بفضل الإيمان بالتوحيد الخالص، الذي أحالهم إلى أفذاذ، قل أن تشهد الدنيا لهم مثيلا.. فهم قد آمنوا باللَّه وحده لا شريك له، وانصرفوا بكليتهم إليه، وهانت على أعينهم الدنيا وما فيها، واستهانوا بكل غال ونفيس في سبيل هذا الإيمان. وقد لآقوا آمالاً شديدة، ولكن حلاوة الإيمان فوق كل اعتبار..
قال تعالى في سورة الفتح: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا}..
والمؤمن هو الذي يلتزم بالعمل بكلمة الإسلام، فيثبته اللَّه بالقول الثابت في الحياة الدنيا، وفي الآخرة. قال تعالى في سورة إبراهيم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاء}..
والإيمان باللَّه، وبما جاء به القرآن الكريم، وبما جاءت به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وثيق الصلة بالكلمة الطيبة ومفهومها.. والكلمة الطيبة وحدها، هي الواجب اتباعها، وسلوك منهجها في الحياة..
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن الجزاء الطيب الذي ينتظر المؤمن حقًا، إنما هو جزاء الهداية في الحياة الدنيا إلى الطيب من القول. قال تعالى في سورة الحج: {إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ . وَهُ