من مسلم إلى توفيق الحكيم
بقلم: محمد جمعة العدوي
لا ينكر أحد أنك من أكبر أدباء العربية، ورائد من رواد الكتابة، إلا أننا ننكر الخط الفكري الذي ارتضيته لنفسك.. إننا في نفس الوقت، لا ننكر عليك بعض ما قدمت، من أمثال: أهل الكهف… وسليمان الحكيم… ومحمد، ومحاولة محافظتك على الفصحى في غالب ما قدمت. ولا ينكر أحد أنك الكاتب الذي استطاع أن يفجر بعض قضايا الحق والعدل في كتابك ” عودة الوعي” وكنت فيه تعيش أمتك في آلامها وتعاستها في ظل حكم الفرد وتسلط الباطل.
لكننا كما نود للحكيم عضو مجمع اللغة العربية ورئيس اتحاد الكتاب أن يعطي لعقيدته، حتى يلقى اللَّه وفي صحيفة أعماله ما يستطيع به أن يؤكد أنه مسلم، بدلاً من أفلامه الماجنة ومسرحياته الخليعة، التي هيأت له الثراء الدنيوي، لكنه سيكون بها مفلسا أمام ربه.. ومع كل هذا أيها الحكيم.. فإن باب الرجوع إلى اللَّه مفتوح.
فإنك أيها الكاتب الجرئ، أضفت لأوزارك وزرًا آخر، كان غصة في حلق كل مسلم، حين كنت أول أديب يدلي بحديث إلى إذاعة إسرائيل، وكنا نحييك لو أنك تحدثت عن دينك، وعن الحق الإسلامي العربي الذي ضيعه اليهود.. أو على الأقل تعلن شوقك إلى الصلاة في المسجد الأقصى، لتؤكد انتماءك إلى دينك، كما أكده ” بيجن” بصلاته في المعبد اليهودي في مصر.. لكنك تحدثت عن مواقف بعيدة كل البعد عن فكر الأمة ومنهجها وتطلعاتها.. وقد فرحت إسرائيل بحديثك، لأنه بالنسبة لها مغنم كبير.. وبالنسبة لنا خسارة فادحة.. وقد حرصت إسرائيل أن تشد آذان المستمعين في العالم العربي إلى هذا الحديث، فأعلنت عنه مرات، وروجت لذلك صحافتها.
وقد ألغيت رسالة الأدب في الحياة حين قلت ” ننسى نزاع العهد القديم ونترك هذا النزاع للسياسيين. أما الكتاب والأدباء والشعراء فوظيفتهم تمهيد الجو للسلام عن طريق المشاعر”.. وهذا معناه يا حكيمنا أن وظيفة الأديب والمفكر بعيدة كل البعد عن توجيه الشعوب إلى الخير، وحثها على البعد عن المنكر، وأن الأديب ما هو إلا رجل ” مشاعر” يكتب عن الجنس والكباريهات وفتنة المرأة. وأن مسئولية الأديب عن أمته في سلمها وحربها، وتطورها وبنائها وقيادتها نحو الطريق الصحيح.. كل هذا لا علاقة للأديب والمفكر به.. وهذا- بالتأكيد- أقصى ما تريده إسرائيل لحملة الأقلام عندنا، أن يبتعدوا عن القضايا الخاصة بمصير أمتهم، وبعد ذلك يستطيع الأعداء أن يدسوا سمومهم ما دام ” حملة الأقلام” لا يعيشون نبض الأمة.
ولقد تحدثت عن اليهود في مصر، فلم تجد ما تحدثت عنه غير الممثلة ليلى مراد المصرية اليهودية.. والكل يعرف أن.. ” ليلى مراد” أسلمت وتزوجت أكثر من واحد، وغنت الأغاني الدينية.. لكنها في نفس الوقت، خانت أمتها والدين الذي تظاهرت به، وسافرت إلى الخارج وتبرعت بجزء من رصيدها لإسرائيل. ولقد تحدثت صحافتنا عن هذا الموقف في حينه.. وتحدثت عن الموسيقي داود حسني اليهودي، وابنه ” بديع” الذي خان مصر، الأمة التي ربته، وهرب إلى إسرائيل ليعمل مذيعًا بالقسم العربي لإذاعة إسرائيل.. وتحدثت عن ” أبا إيبان” الذي ترجم روايتك ” مذكرات نائب في الأرياف” إلى الانجليزية وغير الانجليزية، لا حبًا في أدبك وتقديرًا له، ولكن ليطعنوا مصر بروايتك، وينددوا بنا ويقولوا للعالم: إن مصر مجموعة من الحيوانات ومصاصى الدماء. لأن الأديب يعكس حقيقة الأمم… وتحدثت عن ” ناحوم أفندي” حاخام اليهود في مصر، والذي كرمته مصر، فعينته عضوًا في مجمع اللغة العربية، وأعطى أقصى ما كان يحلم به يهودي في مصر، لكنه ترك مصر وتحول إلى سلاح مصوب ضدنا في كل المحافل الدولية.
وأخيرًا أيها الحكيم.. ما الذي قلته عن المضطهدين من المسلمين في إسرائيل؟ وعن التخلف المفروض عليهم؟ وأنت تعلم أنهم مواطنون من الدرجة الثالثة؟..
وأخيرًا أيها الحكيم.. لقد أعطيت لإسرائيل.. ولم تعط شيئًا لمصر.. بل سلبت منها.. وأنت حر في عطائك.
محمد جمعة العدوي
20