من الأحاديث المكذوبة
يزعمون أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قال: ” إذا روي عنى حديث فاعرضوه على كتاب اللَّه، فإذا وافقه فاقبلوه، وإذا خالفه فردوه”.
قال الخطابي: وضعته الزنادقة، ويدفعه حديث ( أوتيت الكتاب ومثله معه ) وهكذا قال الصغاني أيضا.
يقول الشوكاني: وقد سبقهما إلى نسبة وضعه إلى الزنادقة يحيى بن معين، كما حكاه عنه الذهبي، على أن في هذا الحديث الموضوع نفسه ما يدل على رده، لأننا إذا عرضناه على كتاب اللَّه عز وجل خالفه، ففي كتاب اللَّه عز وجل {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا} ونحو هذا من الآيات. انتهى كلام الشوكاني.
ونقول بعون اللَّه: مبدأ عرض الحديث الصحيح على القرآن الكريم مبدأ يهدم الإسلام من جذوره، فإن السنة قد انفردت بأحكام لو عرضناها على القرآن لرددناها، وإليك بعض الأمثلة:
1- في المحرمات من النساء حرم اللَّه عز وجل الجمع بين الأختين في قوله: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} من الآية 23 سورة النساء، ثم قال في الآية التالية لها: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} وظاهر المعنى أن التحريم مقصور على الحالات المذكورة في الآيتين. ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أضاف إلى هؤلاء المحرمات ( أن يجمع الرجل بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها ) وأجمع العلماء على هذا التحريم عدا بعض الخوارج المارقين من الدين.
2- أحاديث المسح على الخفين: لو عرضناها على القرآن لرددناها، لأن القرآن لم يقل إلا بغسل الأرجل إلى الكعبين في الوضوء.
3- القرآن الكريم لم يحرم من أنواع الطعام إلا ما كان ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير أو ما أهل به لغير اللَّه، يقول تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ به} ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يضيف أنواعًا أخرى كالحمار الأهلي، وكل ذى ناب من السباع، وكل ذى مخلب من الطير. ولو عرضنا هذه الأشياء على القرآن الكريم لقلنا بحلها.
4- والميتة نفسها جاء ذكرها في الآية السابقة، ولكن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم استثنى منها السمك والجراد. ولو عرضنا هذا الحكم على القرآن لقلنا بتعارضه لأن القرآن حرم الميتة، والسمك لا يؤكل إلا ميتا، فلم يقل أحد- فيما نعلم- بذبحه قبل أكله.
وإني أسأل الذين يروجون لهذا المبدأ- مبدأ عرض الحديث على القرآن- ألا تأكلون السمك في طعامكم؟ وإذا كنتم تأكلونه فهل تذبحونه قبل أن يموت؟.
لقد صدق من قال إن هذا الحديث المكذوب من وضع الزنادقة ( إذا روى عني حديث فاعرضوه على كتاب اللَّه فإن وافقه فاقبلوه، وإن خالفه فردوه ).
إن الحق ما جاء في كتاب اللَّه {مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}، ثم إن العبرة بعد ذلك بصحة الحديث، فإذا كان الحديث صحيحا عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم خاليًا من الشذوذ أو العلة القادحة(1) فلا بد من قبوله والإيمان به.
يقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود: ( ألا إنني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته يقول: عليكم بالقرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي ولا كل ذى ناب من السباع.. ) الحديث.
( التوحيد )
هامش
(1) معرفة الشذوذ والعلة القادحة تكون طبقًا لقواعد علمية بينها علماء الحديث في مؤلفاتهم، ولا تكون خاضعة للعقل بحال.
فايل mg7-2-1
3