من أمراض القلوب الرياء
بقلم
سمير عبد العزيز محمد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله … وبعد :
إن الرياء – إخوة الإسلام – مرض خطير من أمراض القلوب الكثيرة التي بحاجة إلى علاج دائم ويقظة مستمرة ، والرياء أخطر أمراض القلوب ، وهو من الأوبئة الأخلاقية الضارة ، وهو مأخوذ من الرؤيا ؛ لأن المرائي يُري الناس فعله الخير ليثنوا عليه ويحمدوه ويأمنوه فيستولي بذلك على قلوبهم ، فيكون له سلطان عليهم يصل به إلى لذته ويستعين به على تحصيل شهواته .
قال تعالى ناهيًا عن الرياء : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ ) [ البقرة : 264] .
قال ابن كثير : لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله ، وإنما قصد مدح الناس أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس أو يقال : إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية ، ثم ضرب مثلاً لذلك المرائي ، وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله ، وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب . اهـ . باختصار .
وقال تعالى في وصف حال المنافقين : ( وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا ) [ النساء : 142] ، وقال ابن كثير أيضًا : أي لا إخلاص لهم ولا معاملة مع الله ، إنما يشهدون الناس تقية لهم ومصانعة ، ولهذا يتخلفون كثيرًا عن الصلاة التي لا يُرون فيها غالبًا كصلاة العشاء والعتمة ، وصلاح الصبح ، وقت الغلس . اهـ .
وقد بوب مسلم ، رحمه الله ، في الإمارة من حديث أبي هريرة : ( من قاتل للرياء والسمعة استحق النار ) ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن أول من يقضى يوم القيامة عليه ؛ رجل استشهد فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : قاتلت فيك حتى استشهدت ، قال : كذبت ، ولكنك قاتلت لأن يقال : جريء فقد قيل ، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ، ورجلٌ تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قال : تعلمت العلم وعلمته ، وقرأت فيك القرآن ، قال : كذبت ، ولكنك تعلمت العلم ليقال : عالم ، وقرأت القرآن ليقال : قارئ ، فقد قيل ، ثم أُمر به فسحب على وجهه حتى أُلقي في النار ، ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فأُتي به فعرفه نعمه فعرفها ، قال : فما عملت فيها ؟ قالت : ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أن أنفقت فيها لك ، قال : كذبت ، ولكنك فعلت ليقال : هو جواد ، فقد قيل ، ثم أمر به فسحب على وجهه ، ثم ألقي في النار ) .
إن هذا الحديث – إخوة الإسلام – عمدة في هذا الباب ، وهو حديث يكاد ينخلع له القلب ، وكان حقًا على كل من قرأ هذا الحديث أن يقف أمامه وقفة معاتبة ومحاسبة ، ويسأل نفسه سؤالا مهما قبل أن يقدم على العمل : لِمَ ؟ وكيف ؟ فإن كان الجواب : لله ، وعلى الكتاب والسنة فليتوكل على الله ، وإلا فليرح نفسه من عناء هذا العمل .
قال النووي ، رحمه الله ، في هذا الحديث : وعقابهم على فعلهم ذلك لغير الله وإدخالهم النار دليل على تغليظ تحريم الرياء وشدة عقوبته ، وعلى الحث على وجوب الإخلاص في الأعمال .
كما قال تعالى : ( وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ) [ البينة : 5] ، وقد قيل في قوله تعالى : ( وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُون ) [ الزمر : 47] . قيل : كانوا عملوا أعمالاً كانوا يرونها في الدنيا حسنات بدت لهم يوم القيامة سيئات ، وقال تعالى آمرًا نبيه أن يقول : ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ) [ الكهف : 110] ، أي قل لهم يا محمد : ليس لي من الربوبية ولا من الإلهية شيء ، بل كل ذلك لله وحده لا شريك له أوحاه إلي ، فمن كان يخاف لقاء ربه فليعمل العمل الصالح لا رياء فيه ولا سمعة ، وهذا عموم يتناول الجميع .
قال ابن القيم : كما أن الله واحد لا إله سواه ، فكذلك العبادة ينبغي أن تكون له وحده لا شريك له ، فكما تفرد بالإلهية يجب أن يفرد بالعبودية ، فالعمل الصالح هو الخالص من الرياء المقيد بالسنة .
وفي الحديث الذي رواه البخاري وغيره : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سمَّع سمَّع الله به ، ومن يرائي يرائي الله به ) .
هذا نتيجة الرياء ؛ ذلة وهوان وصغار .
قال الخطابي : من عمل عملا على غير إخلاص إنما يريد أن يراه الناس ويسمعوه جوزي على ذلك بأن يشهره ويفضحه ، فيبدو عليه ما كان ي