من أعمال الرسول صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الأستاذ الشيخ سيد سابق
مدير عام الدعوة بوزارة الأوقاف
إن لرسولنا صلوات الله وسلامه عليه أعمالاً كبرى يتمثل فيها نجاحه ، وهذه الأعمال يمكن تلخيصها فيما يلي :
العمل الأول : إنه قضى على الوثنية ، وأحل محلها الإيمان بالله واليوم الآخر .
والعمل الثاني : أنه قضى على رذائل الجاهلية ونقائصها ، وأقام مقامها الفضائل والمكارم والآداب .
العمل الثالث :أنه أقام الدين الحق الذي يصل الإنسان إلى أقصى ما قدر له من كمال .
العلم الرابع : أنه أحدث ثورة كبرى غيرت الأوضاع والعقول والقلوب ونظام الحياة الذي درج عليه أهل الجاهلية .
العمل الخامس : أنه ( وحد الأمة العربية ، وأقام دولة كبرى تحت راية القرآن .
هذه هي الأعمال التي تمثل نجاح الرسول ( في مهمته . وهي كما تبدو كلها أمور كبيرة ، وإقامتها بل إقامة واحد منها من الخطورة بمكان .
وإنه لا يمكن أن يتأتى النجاح لفرد في بعض هذه الأعمال فضلاً عن توفر النجاح في كل ناحية من هذه النواحي .
إن القيام بهذه الأعمال والنجاح فيها على هذا النحو لهو المعجزة الكبرى لحضرة رسول الله صلوات الله وسلامه عليه – فإذا كان عيسى له معجزة إحياء الموتى ، وموسى له معجزة العصا ، فإن هاتين المعجزتين في جانب هذه المعجزات تعتبر شيئًا ضئيلاً .
دلائل صدقه :
ومن دلائل الصدق على أن الرسول إنما هو مرسل من عند الله ما يأتي :
أولاً : أنه كان زاهدًا في الدنيا ، فلم يكن يطلب على عمله أجرًا ، فقد كان زاهدًا في المال ، وفي كل ما هو مادي ، كما كان زاهدًا في الجاه والمنصب .
أما زهده في المال فإن طبيعة حياته تدل على ذلك أبلغ دلالة ، فهو لم يفترش الحرير ، ولم يلبس الديباج ، ولم يتزين بالذهب . كان بيته كأبسط بيوت الناس ، وكان يمر عليه الشهران ، ولا يوقد في بيته نار . قال عروة وهو يسمع خالته عائشة تتحدث بهذا إليه : يا خالتي ما كان يعيشكم ؟ قالت : إنما هي الأسودان التمر والماء !
وذات مرة رأى عمر بن الخطاب الرسول نائمًا على حصير بال ، وقد أثر في جسمه ، فبكى ، فقال له الرسول : ما يبكيك ؟ فقال : ما بال كسرى وقيصر ينامان على الديباج والحرير ، وأنت رسول الله يؤثر في جنبك الحصير ، فقال ( : يا عمر ، أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة .
ولقد جاءت الغنائم إلى الرسول بعد انتصار المسلمين ، فرأى نساؤه أن يستمتعن بشيء من هذه الغنائم وطلبن منه أن يكون لهن نصيب منها ، فإذا بالآية الكريمة ترد على سؤال هؤلاء النسوة :
{ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ إِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا } .
فجمع الرسول نساءه ، وقال لهن : هل تردن الله ورسوله والدار الآخرة ، أم تردن الدنيا وشهواتها ؟ فاختارت كل واحدة منهن الله ورسوله والدار الآخرة فمدحهن الله وأنزل في حقهن :
{ يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلاَ تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } .
ولقد توفي رسول اللَّه ( ودرعه مرهونة عند يهودي ، وقد عاش طول حياته ، وما شبع من خبز الشعير قط .
أما زهده في الجاه فهو يتمثل في كل أحواله .
أراد الصحابة أن يمتدحوه ، ويثنوا عليه ، فقال ( :
” لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم ” .
وجاءه الوليد بن المغيرة مندوبًا عن المشركين ، ليفاوضه ، وعرض عليه من كل متع الحياة ، فكان جوابه أن قرأ عليه افتتاحية سورة حم فصلت . إلى قوله تعالى : { فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ } .
هذا هو الزهد الذي كان طبيعة من طبائع الرسول ( .
ومن دلائل نبوته عليه السلام أنه كان أميًّا ، وأقام هذه الأعمال الكبار وهو أمي لم يقرأ ، ولم يكتب ، ولم يدخل معهدًا ، ولم يتتلمذ على أستاذ ، ولكنه نجح ، وبلغ هذه المرتبة التي لم يبلغها أحد قبله ، ولا أحد بعده .
والقرآن يسجل هذه الحقيقة ليجعلها أمارة صدقه ودليل أمانته . يقول الله سبحانه :
{ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلاَ إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ } .
وما كان الرسول يعلم شيئًا من النبوة ، ولا ما يتصل بالذات العلية ، فجريان هذه الأعمال على يديه إنما هو دليل الإعجاز .