مغالطات في عمل المرأة
بقلم د . إبراهيم إبراهيم هلال
-2-
سألت سائلات ثلاث عن عمل المرأة . الأولى كان سؤالها تعليقًا على المقالات الأربع التي ظهرت مسلسلة في مجلة التوحيد تحت عنوان (ظلمات نتخبط فيها) ، وكانت مقتنعة بما جاء فيها وأن مكان المرأة الأساسي هو البيت ، وأنها قد أخذت بذلك ولكن كانت تريد حديثًا إلى أسرتها والمجتمع الذي حولها نقنعهم فيه بأن جلوس الزوجة في بيتها لا يعتبر تخليًا عن معاونتها لزوجها ، وتركه وحده في الميدان ينفق على أولادهما .
وهذا الطلب يشير إلى انحراف في نظرة المجتمع الدينية ، وقلة خبرته بأمور الدين وبما جاء به في أمر الأسرة ، وبدأت تسيطر على هذا المجتمع الآراء الوافدة علينا من بيئات غير مسلمة ، وبدأت تأخذ مكانها في حياتنا الاجتماعية ، وتحل محل التشريع الديني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه .
فالمعروف دينًا أن المجتمع بني على أساس أن الرجل هو المنفق وهو المنوط به مسئولية الإنفاق على الزوجة وعلى الأولاد . ونصوص ذلك معروفة في القرآن الكريم والحديث الشريف . وبناء عليه فالزوجة تلجأ إلى المطالبة بهذا الحق عند الشقاق بينها وبين زوجها وعند تنكره لهذا الواجب المقدس نحو زوجته وأولاده ، والقضاء يقف إلى جانبها ، وينصرها في ذلك بكل ما يستطيع .
وما دام الأمر كذلك وإننا والحمد لله يتمسك قضاؤنا في هذا الجانب بما جاء به الإسلام في القرآن الكريم والحديث الشريف – فالواجب على هذا المجتمع المثقف أن يظل مع القرآن وفي جانب حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإن يعايشهما في حياته الأسرية ، وأن ينظر إلى الرجل على أنه هو العائل ، وأن المرأة لا دخل لها في ذلك إلا عند الضرورة ، وعند احتياجها إلى هذا ، عند وفاة هذا العائل ، أو عجزه عن الكسب ، وإن كان الأساس في الإسلام أن الدولة في هذه الحالة تقف وجوبًا إلى جانب هذه الأسرة ، ولا تتركها محتاجة إلى عمل الأم أو الزوجة .
هذه ثقافة دينية يجب أن نحذقها وأن نعيش فيها ، ولا نترك هذا التقليد الغربي يحل محل عقائدنا الإسلامية وتشريعاتنا . هذا فحوى تحقيق طلب السائلة الأولى .
وأما الاثنتان الأخريان . فأولاهما تهاجم ما جاء في مقالة شوال 1406 هـ تحت عنوان (مغالطات في عمل المرأة) رغم أنها (صديقة جيدة لمجلة التوحيد) كما كتبت – وتقول إن عمل المرأة في المصالح الحكومية والدواوين حق ، وأن على الرجل في مقابل ذلك أن يساعدها في أعمال البيت . كما كان يفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نقول إن على الرجل رغم انفراده بالسعي على الزوجة والأولاد أن يساعد في أعمال البيت ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، وأن ينظر إلى حملها الثقيل البيت والأولاد فيعاون في ذلك في وقت فراغه وعند استطاعته ، لأن حمل المرأة أثقل بكثير مما تتصوره نساء اليوم المعاصرات أو المتعاصرات .
ولكني أنكر عليها ما تقوله بأنه لم يكن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (مصالح حكومية تعمل فيها المرأة) ولذلك كانت في المعظم لا تعمل عمل الرجال .
وكما قلت من قبل إن مجتمعنا الحديث تنقصه الثقافة الإسلامية فأقول هنا أيضًا ، فإنه بهجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، بدأت تتكون للمسلمين دولة ، وتوجد لهم حكومة . فقد وجد الرسول صلى الله عليه وسلم مجتمع المسلمين محتاجًا إلى معلمين ، ومحتاجًا إلى قضاة ، ومحتاجًا إلى شرطة ، ومحتاجًا إلى خزانة للدولة ، وقيم على الخزانة أو وزير مالية بالمصطلح الحديث ، وإلى مجموعة اقتصادية أو وزارة اقتصاد وهؤلاء كانوا القائمين على أمر الزكاة وهم المسمون بالعمال ، والذين كانوا يرسلون في الآفاق لمراقبة الاقتصاد الزراعي والحيواني والمعدني وجمع الزكاة منه ، أو حق الله فيه ، ومعلوم أن هؤلاء كان لهم معاونون ، فإذا جاء هذا المال إلى المدينة ، احتاج خازن بيت المال أو القائم على الصدقات من الإبل وغيرها إلى موظفين وعاملين معه ، حتى يتيسر له إحصاء هذا المال ، وتقديم البيانات عنه أولاً فأول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتقييد المنصرف والوارد والمحافظة عليه وصيانته . إضافة إلى ذلك ما كان يأتي للرسول صلى الله عليه وآله وسلم من الغنائم والأنفال . فهذه مالية ضخمة وكانت كلها ترصد لمصالح المسلمين واحتياجاتهم . وعندنا الجيش وضرورة وجوده في مجتمع الإسلام ، وهو وإن كان أساسًا تبرعًا من المسلمين الموسرين والقادرين إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم شرع للمسلمين نواة دائمة للجيش ، وجنودًا وعددًا معدة باستمرار للجهاد في سبيل الله ومؤتمرًا في ذلك بأمر الله سبحانه ( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَءَاخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ) فلهذا كان هناك ابتداء من حياة الرسول صلى الله عليه وسلم في المدينة جيش م


