معالم المجتمع الإسلامي
بلقم الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
قرأ أحد الأوربيين في الإسلام كثيراً حتى أدرك من الإسلام مظاهره وروحه وحدوده، فعرف أن الإسلام يحرم الصور والصور العارية، وأن جسم المرأة عورة ما عدا وجهها وكفيها، وقد تكون عورة كلها بجسمها كله وملبسها إذا كان شيء من ذلك يثير فتنة، أو يسمى زينة.
وعرف أن شرب الخمر محرم في الإسلام، وبناءً عليه فلا تقدم دولة مسلمة على الإعلان عنها، أو إباحة الاتجار فيها فضلاً عن الترخيص ببيعها أو بشربها و بصنعها.
وعرف أن اللهو حرام،وبناءً عليه فلا يجوز أن يزاول رسمياً في المجتمع الإسلامي، ولا أن تدار له بيوت أو تعطي له الدولة ترخيصاً، أو تظهر له إعلانات. ولا أن تكون وسائل الإعلان والثقافة في الدولة أداة لعرض هذا الهزل أو تقديم أي صورة من صوره أو لون من ألوانه.
وعرف أن صلاة الجمعة فرض واجب وركن من أركان الإسلام، وأنها تؤدى جماعة بدلاً من فريضة الظهر وبناء عليه فيجب أن تقفل المحال التجارية، وأن تعطل المواصلات العامة وقت الصلاة.
وعرف أن صوم رمضان ركن من أركان الإسلام، وأن المسلمين جميعاً يصومونه وهذا يقتضي ألا تفتح المطاعم، ولا المشارب أبوابها في النهار وألا يُرى شخص في الطريق يأكل أو يشرب إلخ.
وزار هذا الأوربي القاهرة وكان ذلك في شهر رمضان فرأى ويالهول ما رأى! –
رأى الصورة المثالية الجميلة التي تصورها للمجتمع الإسلامي بناء عن قراءاته قد ضاعت منه تماماً، حتى كاد أن ينكر البلد الذي جاءه. وأخذ يسأل ويستفسر عما إذا كانت هذه هي مصر التي جاءها، أو هذه هي القاهرة؟ أم أنه أخطأ، وجاء إلى عاصمة غير إسلامية؟ واستمر في ذهول ودهشة، وبين مصدق ومكذب حتى رأى مآذنها العالية ومساجدها بين العتيقة والحديثة. وأخيراً وبعد لأى صدق أنه في القاهرة… ولكنه يظل يسأل ويقول: إذا كان الإسلام يحرم ظهور المرأة عارية أو متبرجة فلم ظهور النساء بهذا العرى وهذا السفور الذي لا تتميز فيه المسلمة عن غيرها من النساء الأوربيات أو غيرهن؟ ولم خروجهن في الطرقات العامة والمواصلات العامة والخاصة ومزاحمتهن للرجل هذه المزاحمة؟ في أماكن العمل، ومحلات البيع والشراء، بل وفي المجالس العامة من منتديات، أو ملاه، أو غيرها، واختلاطهن بالرجال ذلك الاختلاط الذي حول وجه هذا المجتمع عن الوجه الإسلامي إلى الوجه الأفرنجي وغير الإسلامي؟
أين عمل هؤلاء جميعاً بقوله تعالى: ((وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى)) [الأحزاب:33]؟ أهذ القرآن قد جاء للحفظ والقراءة، إسراراً وإعلاناً دون العمل به؟ ما فائدة الدين للناس، وما فائدة تدارسه وتدريسه، والكتابة عنه وعن شريعته التي جاء بها إذا كان لا يُنفذ ولا يُطبق ولا يعطي مجتمعه الصورة التي تميزه عن المجتمعات الأخرى؟ هل الدين جاء للإنسان أم لغيره؟ أم هو مجرد كلام لا يطلب تنفيذه؟.
إننا نعرف أن الأوامر الإلهية مطلوب تنفيذها، ومن لا ينفذها أو يقصر في تنفيذها يعتبر مخالفاً لله سبحانه وتعالى، ومخالفاً لنبيه الذي يدعي الإيمان به؟ فلماذا يدعي هؤلاء الإسلام ولا ينفذون تعاليمه؟! أمر عجيب، وأمر غريب أن يقول المسلمون ما لا يفعلون.
ثم ما هذه الصورة العارية التي تعلن عن أفلام خليعة ومسرحيات وملاه ومراقص لا نظن أن الإسلام يسمح بها أو أن بلاداً للمسلمين تسمح بوجودها فيها. إننا كنا نظن – بل نعتقد – أن المجتمع الإسلامي مجتمع جاد، لا مجال فيه لمثل هذا الهزل الذي مجته بلادنا، وقاطعه الجادون في الحياة منا. كما وأنه مما كان يزيد فينا هذا الاعتقاد أننا نسمع بأن هذه بلاد نامية، وتحاول أن تلحق بركب الحياة، وتعوض ما فاتها من تلك المسافة الطويلة التي باعدت بينها وبين القوة والغنى والازدهار، وجعلتها تتخلف هذا التخلف الصناعي فنهضت في هذا القرن تبتغي أن تحصل فيه ما حصله الأوربيون في قرون.
ولكننا وجدناها بدأت مع هذا التقدم بهذه المعوقات التي ما نظن أنها سيتيسر لها ذلك النهوض وهذه المعوقات فيها..!
إن هذه الملاهي فضلاً عن أنها تتجافى مع الإسلام، فإنا نعتقد أنها أكبر مضيع لجهود المصلحين، وأكبر هادم لبناء البانين، فما نهضت بلادنا، وهي على ما هي عليه اليوم، ولا ما عليه بلاد المسلمين الآن من هذا الإيغال الشديد في هذا الفن الرخيص، والمبيد للحضارات، والمقوض للأخلاق والذي يوقف عجلة التقدم، ويقف بالأمم حيث التحلل والفناء.
نحن نشفق على المسلمين من هذا، ونشفق على تلك الشعوب الكادحة وتلك الأعداد الغفيرة التي يسار بها إلى حيث التقدم والنهوض، ولكن في الوقت نفسه يسار بها إلى تضييع كل جهد وتمييع كل كسب.
إن الطريق إلى المجد هو طريق الجد والاجتهاد، وطريق الدين والأخلاق،وضرب كل ما هو معوق من وسائل اللهو والفساد.
يقول تعالى: ((اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ