مدخل لدراسة الفقه الإسلامي
للأستاذ
أحمد فهمي أحمد
مقدمة :
تعنى كلمة ” فقه ” في اللغة ” العلم والفهم ” كما جاء في قوله تعالى : { وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُواْ كَآفَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ } ، وكما جاء في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين ” .
أما في اصطلاح الفقهاء والأصوليين فإن كلمة ” فقه ” يراد بها العلم بالأحكام الشرعية العملية من أدلتها التفصيلية ، وتقييد الأحكام الشرعية بكونها ” عملية ” يحدد لنا موضوع علم الفقه ويبين أنه قاصر عليها فلا يشمل أحكام العقائد ولا الأخلاق وإنما يختص بالعبادات والمعاملات بجميع أقسامها وفروعها .
عصر النبوة :
لم يكن للأحكام أي مصدر سوى القرآن والسنة ، وجاء القرآن الكريم على نحو كلي عام للتيسير على الناس بترك شيء من الحرية لهم في كيفية تطبيق قواعده العامة حسبما تقتضيه مصلحتهم التي قد تتغير بتغير الزمان والمكان مثال ذلك : نظام الحكم الإسلامي على أساس الشورى يقرره القرآن الكريم في قوله تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } ، ولكنه يترك للناس الحرية الكاملة في تنظيم هذه الشورى بالطريقة التي تناسب كل مجتمع بحسب ظروفه الخاصة .
ولم يتعرض القرآن للأحكام الجزئية إلا في الأمور التي لا تتغير فيها المصلحة بتغير الزمان والمكان كأحكام المواريث وروابط الأسرة .
أما السنة فكانت تقوم بالشرح والتفسير وبيان الأحكام الجزئية ، فإذا ما أمر الله عز وجل في القرآن الكريم بإقامة الصلاة فإن السنة تبين عدد الصلوات في اليوم والليلة وعدد الركعات في كل صلاة وكيفية أداء هذه الصلوات وهكذا .
ومع هذا كانت السنة تشتمل كذلك على بعض الأحكام العامة مثل قوله ( : ” لا ضرر ولا ضرار ” . وقوله : ” المؤمنون عند شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرّم حلالاً ” .
وقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم كتاب يكتبون القرآن ، أما السنة فقد نهى الرسول الصحابة أن يكتبوها عنه مخافة أن تختلط بالقرآن ، ولم ينقل أن أحدًا من الصحابة كتب عنه شيئًا في حياته إلا نفر قليل منهم .
وقد كانت هناك اجتهادات لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الحياة العادية والسياسية وأمور الحرب والقضاء وغيرها ، ومن أمثلة ذلك استشارته أصحابه في خطط الحرب عند قتال المشركين ونزوله على ما يشيرون به كما حدث في غزوة بدر وغزوة الأحزاب ومثل نهيه ( عن تأبير النخل – أي تلقيحه – فقالوا : أنه لا يصلح ثمره إلا بالتأبير ، فقال لهم ” أنتم أعلم بشئون دنياكم ” .
أما أمور الدين فإن الشأن فيها ألا يصدر النبي ( فيها حكمًا إلا عن وحي لأنه في أمور الدين رسول ومبلغ عن الله عز وجل ، مثال ذلك : عندما جاءته ( المرأة الأنصارية خولة بنت ثعلب الخزرجية تستفتيه في قول زوجها لها ” أنت عليَّ كظهر أمي ” امتنع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إفتائها إلى أن نزل قول الله تعالى : { قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ } ، وأوضحت الآيات بعدها الحكم التفصيلي في يمين الظهار .
وعلى هذا فإن أي اجتهاد لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أمور الدين فإنما هو عن وحي الله تعالى كما قال سبحانه : { وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى } ، فإذا ما حرم الله عز وجل الجمع بين الأختين في قوله تعالى في آية المحرمات من النساء : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” لا تجمع المرأة على عمتها ولا على خالتها ولا المرأة على ابنة أخيها ولا على ابنة أختها ، إنكم إن فعلتم ذلك قطعتم أرحامكم ” فإن هذا القول من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعد اجتهادًا في أمر من أمور الدنيا ولكنه يعد حكمًا شرعيًا أوصى به الله تعالى .
أما صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانوا يلجئون إلى الاجتهاد في عصر النبوة في الأمور التي لم يحفظوا بشأنها قرآنًا ولا سنة إذا بعدت المسافة بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم بعد ذلك يعرضون عليه نتيجة هذا الاجتهاد فيقرهم عليه إن كان صوابًا أو يبين لهم الحكم إن كان خطأ . ومن أمثلة ذلك : لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة الأحزاب وأمره الله باللحاق ببني قريظة قبل أن يضع لباس الحرب أمر الرسول صحابته وقال لهم : ” من كان منكم سامعًا مطيعًا فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة ” . فأسرعوا السير . وصلى بعضهم العصر في بني قريظة عملاً بأمر الرسول على ظاهره ، أما البعض الآخر فصلى العصر في الطريق بعد تأويل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم على قصد