متى يسود المسلمون
بقلم الأستاذ إبراهيم إبراهيم هلال
ماجستير في الفلسفة الإسلامية
لقد جاء الإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم فرفع معتنقيه إلى أعلى مكانة وأسمى منزلة وبوأهم قيادة العالم وسيادته ، وحقق لهم وعده الذي وعدهم به في كتابه الكريم : { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا … } .
فدانت لهم الجزيرة العربية في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ، وبدأت الأقطار والدول العظمى تدخل في دين اللَّه أفواجًا في عهد خلفائه ، واستمرت تلك الدفعة التي دفعهم إياها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم حتى وصلت إلى حدود الصين شرقًا ، وإلى أسبانيا غربًا ، وحتى وجدنا تلك السعة تصور في خطاب هارون الرشيد حين كان في مجلس بين حاشيته وقد مرت عليه سحابة تكاد أن تمطر ، فحدث من في مجلسه وقال لهم إن هذه السحابة ستجودنا ، ولكنها مرت في طريقها دون أن تمطر في هذا المكان ، فقال لها الرشيد إذهبي حيث شيئت ، فإنك لا بد وأن تنزلي في أرضي ، وسيأتي إلى خراجك ، وينتفع شعبي بثمراتك .
هذه الدنيا العريضة وهذه الأقطار العديدة كلها كانت تكون قوة واحدة هي أقوى قوة في العالم في هذا الزمان ، وتدين لخليفة أو حاكم واحد بالطاعة والعدل ، وتشعر في ذلك بالعزة والسيادة ، دستورها الإسلام في تعاملها بين العربي وغير العربي ، والمسلم وغير المسلم ، والكل في العدل وفي وفرة الأمن سواء . كان هذا القانون أو هذا الدين هو أسلوب تعاملهم في الداخل والخارج وليس كما تفعل دول حضارة اليوم تعامل أبناءها ، تبعًا لميثاق الأمم المتحدة وحقوق الإنسان ، وتعامل غير أبنائها بميثاق الوحوش واللصوص والمنافقين فهم كما قال فيهم أمير الشعراء أحمد شوقي :
حفظوا حقوق الناس في أوطانهم إلا أباة الضميم والضعفاء
ذهبت عنهم العفة ، وتجردوا من النخوة وحرموا من عاطفة الإنسانية والشعور بالإخاء نحو الجميع ، فصارت أعمالهم تنطق بضد ما يدعيه تمدينهم .
كانت هذه هي العزة الإسلامية طوال القرون الأولى للإسلام ، فهل كانت هناك أسباب أهلتهم للوصول إلى هذا المجد ، وهل جاءت بعد تلك الأسباب أسباب نزعت عنهم ثوب ذلك المجد ؟!
نعم كانت هناك أسباب دفعتهم إلى هذا المجد دفعًا ، أو لها وأهمها الإسلام بما اشتمل عليه من نظم وأساليب هي أساليب الحياة الرفيعة الكريمة ، وثانيها عدم ظهور خطر جيل المنافقين من الفرس أو أبناء حكام وأمراء الفرس الذين دخلوا في الإسلام ، ولم يدخل الإسلام قلوبهم ، وانتهازهم فرصة الخلاف على الحكم بين أبناء على وغيرهم من الأمويين أولاً ، والعباسيين ثانيًا ، لكي يشوهوا في هذه الفرصة معالم العقيدة الإسلامية ؛ عن طريق قولهم في الإمام أو الخليفة ، وارتفاعهم بصفاته إلى صفات الملائكة أو الإله سبحانه وتعالى ، ثم خلع تلك الصفات على الإمام من آل البيت والدعوة له بالخلافة وأنه هو الأحق بها بالنسبة لتلك الصفات المخترعة والخيالية في الوقت نفسه ، والتي لا توجد في ذلك الخليفة الأموي أو الخليفة العباسي ، وربما خلعوا هذه الصفات على بعض دعاتهم من الفرس ، أو رؤساء تلك الدعوات ، أو خلعها ذلك الداعي الكبير على نفسه ، إشارة إلى أنها انحدرت إليه من الإمام الذي يدعو إليه من آل البيت . وهكذا كان تشيعهم لآل البيت ؛ مما دعا آل البيت إلى نقمتهم عليهم ، وتورتهم على تلك الصفات التي ألصقوها بهم .
لم تظهر هذه الدعوة المجوسية أو لم يظهر أثرها في عصور مجد الإسلام ، لأن الخلفاء كانوا في غاية اليقظة لهؤلاء ، فرأينا مظهرًا لهذه اليقظة ، مصرع أبي مسلم الخراساني على يد أبي جعفر المنصور العباسي ، ولو أن أبا مسلم هذا هو المؤسس الحقيقي للدولة العباسية ، ثم نكبة البرامكة في عهد الرشيد . وهكذا ظل المجد الإسلامي والحضارة العلمية والإسلامية والشخصية العظيمة لدول الإسلام طول فترة يقظة الخلفاء ، وقدرتهم على التمييز بين الأعداء والأصدقاء من أصحاب الأقاليم المفتوحة والبلاد التي لم يتمكن الإسلام من نفوس أصحابها . ثم أخطأ الخليفة في السياسة ، فاتخذ من سعة الإسلام سبيلاً إلى ما كان يظنه خيرًا له ، ظن أن الجيس العربي قد يكون عونًا لخليفة علوي ، لأن العلويين كانوا ألصق بيت النبي عليه الصلاة والسلام فأراد أن يتخذ لنفسه جيشًا أجنبيًا من الترك والديلم وغيرهما من الأمم التي ظن أنه يستعبدها بسلطانه ، ويصطنعها بإحسانه فلا تساعد الخارج عليه ، ولا تعين طالب مكانه من الملك )) . (( خليفة عباسي ( هو المعتصم ) أراد أن يصنع لنفسه ولخلفه، وبئس ما صنع بأمته ودينه .. فلم تكن الأعشية أو ضحاها حتى تغلب رؤساء الجند على الخلفاء ، واستبدوا بالسلطان دونهم ، وصارت الدولة في