ما هذا الكتاب .. ؟
بقلم الأستاذ الدكتور أمين رضا
أستاذ جراحة العظام والتقويم بكلية طب جامعة الإسكندرية
قرأت كتابًا – الأضواء القرآنية في اكتساح الأحاديث الإسرائيلية وتطهير البخاري منها – يشير عنوانه على أنه دراسة لسنة رسول الإسلام ( . وقد وجدت أبرز ما فيه ما يلي :
طريقة المستشرقين :
جمع المؤلف في الكتاب كل ما قيل قديمًا وحديثًا في مهاجمة صحة أحاديث الرسول ( والتشكيك فيها . وقد سبق أن قرأت الكثير من كتب المستشرقين في لغات أجنبية وفي اللغة العربية ولاحظت الشبه الكبير بين حجج مؤلف الكتاب ، وحجج المستشرقين ، وكذلك التوافق بين أفكارهم وأفكاره ، وبين النتائج التي وصل إليها والتي وصل المستشرقون إليها . ولاحظت أن جميع الذين هاجموا الإسلام في القرون المختلفة كان منهجهم في مهاجمة الأحاديث – بل في مهاجمة الإسلام – هو نفس المنهج الذي اتبعه المؤلف . فقد جمعوا كل ما قيل في ذم كتب الحديث ورجاله وطرقهم في البحث ، وتجاهلوا أو قل إنهم لم يكلفوا أنفسهم أن يطلعوا على ما كتب في تصحيح هذه الكتب والثناء على مجهودات جامعيها ومؤلفيها ، مع أن النوع الأول وهو الذم قليل ، والنوع الثاني وهو الثناء كثير لا يمكن حصره ، وبالتالي فدراسة النوع الأول أصعب من النوع الثاني ، والبحث عن النوع الأول أطول وأجهد . ومع ذلك فالمستشرقون لهم غرض في أنفسهم فلا مانع من أن يتعبوا في سبيل هذا الغرض ولكن المسلم فما هو غرضه من هذا التعب ؟
التشكيك في صحيح البخاري :
إن ” الحكمة ” التي دعت المؤلف إلى التركيز على كتاب البخاري كما هو مذكور في “إهداء” الكتاب هي أنه ” عمدة المراجع لأصح الأحاديث ” إذًا فإذا انتهى من التشكيك في “عمدة المراجع” فالتشكيك في الكتب الأخرى أسهل .
ويجب أن نعترف بأن هذا المؤلف قطع في مهمة التشكيك هذه مسافة بعيدة وأنه قد نجح فعلاً في إدخال هذا التشكيك في روع بعض الناس ، وأن كتابه سيصبح بفضل مجهوده مرجعًا هامًا للمستشرقين ، وغير المسلمين من الذين يدرسون الإسلام لا لاعتناقه . بل للبحث عن المآخذ فيه ، ولافتعال العيوب له ، وسيفرحون أشد الفرح بهذا الكتاب الذي مهد لهم الطريق لهدم ” عمدة المراجع لأصح الأحاديث ” فقد جاء من أحد المنتمين إلى الإسلام لا من الغرباء عنه ولا من أعدائه . وجاء ممن يبحث باللغة العربية ، وممن يعرف الكثير عن الإسلام والمسلمين والقرآن وكتب الحديث فهل يمكن أن يجد مهاجموا الإسلام فرصة أسنح من هذه ؟
والعجيب أن للمؤلف كتابًا – الدين الصواب من محاورة بين السؤال والجواب – ظهر خلال عام 1972 الميلادي ، أي سنتين اثنتين فقط قبل الكتاب الحالي . يقول فيه في صفحة 6 النص التالي :
” ولكنا رغم أنف الشيطان ، ورغم أنف من يتهموننا بتكذيب البخاري ، فإنا نعلن أن ما نتركه من أحاديث العوار فيه ، مثلما فعل أعلام الإسلام كالأفغاني ومحمد عبده ورشيد رضا ، وشلتوت ، وأبي الوفا درويش وغيرهم من الأعلام القدامى أصحاب العقول الراجحة والأقلام المعبرة في صفحات الحق ، ومع براءتنا من التقليد لغير رسول الله ، فإننا نقول إن ما ننقده ونتركه ، من أحاديث البخاري وغيره ، لعل التعارض مع أسلوب اللياقة ، ونص الكمال الوارد في القرآن لا يستحق أن يعد على الأصابع .
ومن هذا النص يظهر أن للمؤلف مائة وعشرين إصبعًا ، وهو عدد ” أحاديث العوار ” التي جمعها في كتابه الثاني وفندها تفصيليًا بعد أن شكك في كتب الحديث جملة وتفصيلاً . وهي مذكورة فيه على سبيل المثال لا على سبيل الحصر . وبذلك فهو يترك لنفسه الباب مفتوحًا لكي يضم إلى المائة وعشرين حديثًا أحاديث أخرى على مر السنين والأيام . والله وحده يعلم أي حديث سيسلم مستقبلاً من تشكيكه ومهاجمته .
التشكيك في كتب الأحاديث جملة وتفصيلاً :
عنوان الكتاب ينصب على البخاري ، ومع ذلك فالكتاب يشمل في اتهاماته جميع الكتب بما في ذلك كتاب البخاري ، وتنتشر فيه تصريحات مثل : في صفحة 3 ( دين الله بداية ونهاية ) .
وصفحة 11 ( ما لا حجة لصوابه سوى أننا توارثناه في كتب الحديث ) .
وصفحة 11 ( ومعنى ذلك أن القرآن هو البداية والنهاية ولا شيء سواه ) .
والكتاب يتناول كتب الحديث كلها وأشخاص مؤلفيها ومناهجهم ورجالهم وهذا ظاهر في المقدمة وفي الصفحات الثلاثة والثمانين الأولى والمسائل المائة والعشرة الأولى التي انتهت بالمسألة 111 ( صفحة 83 ) وعنوانها ” مبررات الرجوع إلى القرآن في تحقيق الحديث واعتباره هو السند الوحيد ” .
وهذا العنوان والتصريحات التي قبله تدل على أن المؤلف استغنى بجرة قلم عن الحديث وانتهى في بحثه إلى أنه لا يوجد في الدين الإسلامي شيء اسمه سنة ، وأنه انتهى في بحثه من كتب الأحاديث أنها كلها لا يمكن اعتبارها مرجعًا للدين في أية صورة من الصور .
والعجيب أن ينتهي مسلم يدعي الإسلام إلى مثل هذه النتيجة .
فإذا كان يرجو الله واليوم الآخر وكان يذكر الله كثيرًا ويتمسك ب