مؤتمر القمة الإسلامى وعوامل النصر
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
أما بعد فإن من تأمل القرآن الكريم الذى أنزله الله تبياناً لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين يجد فيه بياناً شافياً لعوامل النصر وأسباب التمكين في الأرض، والقضاء على العدو مهما كانت قوته، ويتضح له أن تلك الأسباب والعوامل ترجع كلها إلى عاملين أساسيين وهما: الإيمان الصادق بالله ورسوله، والجهاد الصادق في سبيله، ومعلوم أن الإيمان الشرعى الذى علق الله به النصر وحسن العاقبة يتضمن الاخلاص لله في العمل والقيام بأوامره وترك نواهيه، كما يتضمن وجوب تحكيم الشريعة في كل أمور المجتمع والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ورد ما تنازع فيه الناس إلى كتاب الله عز وجل وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – كما يتضمن أيضا وجوب اعداد ما يستطاع من القوة للدفاع عن الدين والحوزة، ولجهاد من خرج عن الحق حتى يرجع إليه، أما العامل الثاني وهو الجهاد الصادق فهو أيضاً من موجبات الإيمان ولكن الله سبحانه نبه عليه وخصه بالذكر في مواضع كثيرة من كتابه، كذلك رسوله – صلى الله عليه وسلم – أمر به الأمة ورغبها فيه لعظم شأنه ومسيس الحاجة إليه، لأن أكثر الخلق لا يردعه عن باطله مجرد الوعد والوعيد بل لا بد من حقه في وازع سلطانى يلزمه بالحق ويردعه عن الباطل، ومتى توافر هذان العاملان الأساسيان وهما: الإيمان بالله ورسوله، والجهاد في سبيله لأى أمة أو دولة كان النصر حليفها وكتب الله لها التمكين في الأرض، والاستخلاف فيها، وعد الله الذى لا يخلف، وسنته التى لا تبدل، وقد وقع لصدر هذه الأمة من العز والتمكين، والنصر على الأعداء ما يدل على صحة ما دل عليه القرآن الكريم وجاءت به سنة الرسول الأمين عليه الصلاة والسلام وكل من له أدنى إلمام بالتاريخ الإسلامى يعرف صحة ما ذكرناه، وأنه أمر واقع لا يمكن تجاهله وليس له سبب سوى ما ذكرنا آنفاً من صدق الرعيل الأول في إيمانهم بالله ورسوله، والجهاد في سبيله قولاً وعملاً وعقيدة، وإليك أيها الأخ الكريم بعض الآيات الدالة على ما ذكرنا لتكون على بينة وبصيرة، ولتقوم بما تستطيعه من الدعوة إلى سبيل ربك وتنبيه إخوانك المسلمين على أسباب النصر وعوامل الخذلان ” ولأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم” كما صح بذلك الحـديث عن رسول الله – صـلى الله علـيه وسلم – قـال الله عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} وقد أجمع أهل التفسير على أن نصر الله سبحانه هو نصر دينه بالعمل به والدعوة إليه وجهاد من خالفه ويدل على هذا المعنى الآية الأخرى من سورة الحج وهو قوله سبحانه: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوى عزيز الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) وقال تعالى: {وكان حقاً علينا نصر المؤمنين} ولا ريب أن المؤمن هو القائم بأمر الله المصدق بأخباره المنتهى عن نواهيه المحكم لشريعته، وقال عز وجل: {يأيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقاناً ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم ) وقال عز وجل في بيان صفات المؤمنين، والمتقين: {ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتى المال على حبه ذوى القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكاة والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون} تأمل يا أخى هذه الصفات الحميدة والأخلاق الكريمة ثم حاسب نفسك بتطبيقها حتى تكون من المؤمنين الصادقين والمتقين الفائزين، ولا ريب أن الواجب على كل من ينتسب إلى الإسلام من ملك أو زعيم أو أمير أو غيرهم أن يحاسب نفسه، وأن يجاهدها على التخلق بهذه الأخلاق الكريمة والعمل بهذه الأعمال الصالحة وأن يلزم من تحته من الشعوب بهذه الأخلاق والأعمال التى أوجبها الله على المسلمين وأن يصدق في ذلك ويستعين بالله عليه وأن يولى الأخيار الذين يعينونه على تنفيذ أمر الله ورسوله حسب الإمكان وأن يبعد ضدهم حسب الإمكان، وأن يتعاون مع غيره من الملوك والزعماء والأعيان في هذا الأمر الجليل الذى به عزتهم ونصرهم وتمكينهم في الأرض، كما قال عز وجل: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذى ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدوننى لا يشركون بى شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون} وقال سبحانه في سورة الأنفال آمرا لعباده باعداد القوة: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا من شئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم