ليس حكم الإسلام .. يا فضيلة الشيخ
بقلم الأستاذ محمد عبدالله السمان
(قل الله يهدي للحق أفمن يهدي للحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون) صدق الله العظيم
لم أزل أذكر قصة على هامش حياتي برغم مرور زهاء أربعين عامًا، فقد كانت قريته بالصعيد الأوسط – على صغر حجمها – حيث لم يتجاوز سكانها الألفين – ممثلة فيها الطرق الصوفية بشتى ألوانها، والتي كانت تنتشر في قرى الصعيد انتشار الوباء الذي لا يبقى ولا يذر. وأقول: القرى بالذات؛ لأن هذه الطرق الصوفية تجد صدرًا رحبًا حيث يستقر الجهل وتتفشى الأمية. وكانت قريتنا الصغيرة محظوظة بالنسبة للطرق الصوفية، وكنا طلابًا أربعة صغارًا لم نكن نملك من أمرنا شيئًا، إلا أننا كنا ننظر بأسى إلى الطرق الصوفية التي يتحكم فيها من أطلقوا عليها ألقاب (الخلافة) الخليفة الأحمدي والخليفة البرهامي، والخليفة الرفاعي… وهكذا، وهم بين لحاد، وبناء، وحلاق لا تربط بينهم إلا الأمية والجهل المطبق، ولكن فوجئنا بطريقة جديدة تغزو قريتنا، هي الطريقة الشاذلية، وكان لها سحرها، فخليفتها المقيم بالمدينة المجاورة قاض شرعي، له هيبة ووقار، وعنجهية وكبرياء أيضًا.
وتساءلت يومها: لماذا يذكر أتباع هذه الطريقة بألفاظ منها: (آه.. آه.. آه)؟ وقيل لي: إن لفظ (آه) اسم من أسماء الله تعالى، والدليل فيما رواه الديلمي في مسند الفردوس، من أن الرسول – صلوات الله وسلامه عليه – كان يعود مريضًا فوجده يئن، فنهاه أصحابه عن هذا الأنين، فقال لهم الرسول: دعوه يئن، فإن (آه) اسم من أسماء الله تعالى… وقلت: لكن الله تعالى يقول: (ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها)… ويقول جلَّ شأنه (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًّا ما تدعوا فله الأسماء الحسنى) وأسماء الله الحسنى، واضحة لا لبس فيها ولا غموض، أشار القرآن إلى بعضها، وكذلك السّـنّة المطهرة، فلماذا نلجأ – كالباحثين عن المتاعب، إلى حديث واه لا أصل له، فيحق علينا قول الرسول الصادق.. (هلك المتنطعون) قالها ثلاثًا. وقيل لنا يومها: (صه.. فقد قال سادتنا: من اعترض انطرد) والتزمت الصمت، فلم يكن جسمي النحيل يحتمل عصا الشيخ.. أو هراوات أتباعه ومريديه.
* * *
أجل ، ذكرت هذه القصة الهامشية، بعد أن انتهيت من قراءة كتيب أصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، تحت عنوان (حكم الإسلام في التوسل بالأنبياء والأولياء عليهم السلام) وهو بقلم عالم كبير من علماء الأزهر، عضو من هيئة كبار العلماء، وعضو في مجمع البحوث الإسلامية، وعضو بارز في رابطة العالم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية، ومن حق القارئ لهذا الكتيب أن يأسف، بل ويأسى:
أولاً: لأن عالمًا كبيرًا له مكانة في نفوسنا، كان يتولى في يوم من الأيام مركزًا دينيًا مرموقًا. يضع نفسه موضع الباحثين عن المتاعب، ويجهد ذهنه، منقبًا عن حديث رواه الديلمي في مسند الفردوس، أو حديث رواه البيهقي في دلائل النبوة، أو حديث رواه ابن مردويه في التفسير، أو شطحة نطق بها شيخ من مشايخ الطرق الصوفية، أو شعر قاله أمثال ابن حجر الهيثمي، أو البوصيري، أو رؤيا رآها مشعوذ من المشعوذين. كل ذلك ليؤكد فضيلته جواز التوسل بالأحياء والأموات، وأن الموتى يقرأون القرآن في قبورهم، وأن طالب العلم إذا مات حريصًا عليه ، بعث الله له ملكًا يعلمه في قبره، وأن النبي – صلوات الله وسلامه عليه – يؤدي الصلوات الخمس في قبره، ويصوم ويحج كل عام، وأن من شأن الأموات أن يتصرفوا في الكون كما كانوا يتصرفون فيه في حال حياتهم!!
ومعنى هذا أن للسذج والدهماء عذرًا، وهم يتوافدون على ضريح السيد البدوي ، وضريح السيدة زينب، وضريح الإمام الشافعي، ليلقوا بآلاف الشكاوى والعرائض، وأن لهؤلاء الدهماء والسذج عذرًا أيضًا في أن يعتقدوا أن هناك أقطابًا أربعة يتصرفون في الكون والدسوقي يتصرف في الأرزاق، والبدوي في الرياح والأمطار، والرفاعي في الحياة والموت، والتيجاني في الرحمة والعذاب، وأن هؤلاء الأربعة المتصرفين في الكون يرجعون إلى صاحبة الشورى السيدة زينب في كل تصرفاتهم، وأن ديوان الشورى ينعقد ليلة الجمعة من كل أسبوع، وما إلى ذلك من الترهات والأباطيل، التي تفرض علينا أن نعيش في دنيا المجانين.
ثانيًا: لأن عالمًا كبيرًا يثير مسائل وما كان أغنى المسلمين عن إثارتها، وفضيلته يحفظ عن ظهر قلب ما جاء في الحديث الصحيح: من أن الله سكت عن أشياء رحمة بنا غير نسيان منه سبحانه، فيجب أن لا نسأل عنها، ويتشبث فضيلته بآراء – لو افترضنا جدلاً صحتها ومحال أن تكون صحيحة؛ لأن مثلها يصادم العقيدة الإسلامية الصحيحة – ما كان لفضيلته – من باب سد الذرائع – أن يتشبث بها، ولا يبدو أن فضيلة الشيخ – وهو يعيش اليوم في صومعته في شبه عزلة عن الحياة، لا يكاد يحس بالمهازل والمساخر والجرائم التي تُرتكَبُ باسم الإسلام – وهو منها براء – وذلك في رحاب الأضرحة، ورحاب الشعوذة،