لنقطع صلتنا بمن كاد للإسلام
إن كنا مسلمين
بقلم الدكتور إبراهيم إبراهيم هلال
في وسط تلك الهالة التي أقيمت بمناسبة وضع المقصورة الجديدة على القبر المزعوم للسيدة زينب رضي اللَّه عنها أتقدم إلى سلطان البهرة الذي قام بإهدائها قائلا له: ما رأيك في الحديث الشريف الذي رواه أبو الهياج الأسدي عن على رضي اللَّه عنه والد السيدة زينب والحسين رضي اللَّه عنهما، وهو قوله لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثنى عليه رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم؟ ألا تدع تمثالاً إلا طمسته ولا قبرا مشرفًا إلا سويته). ثم ما رأيه أيضا في قول رسولنا صلى الله عليه وسلم لأم سلمة حينما ذكرت له ما رأته في أرض الحبشة في إحدى الكنائس وما رأت فيها من الصور: (أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح بنوا له على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند اللَّه يوم القيامة). وقوله: (لعن اللَّه اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)، وتقول السيدة عائشة رضي اللَّه عنها معلقة على هذا الحديث: (ولولا ذلك لأبرز قبره غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا) أي ولولا أن ارتفاع القبر عن الأرض حرام وممنوع شرعا لبنى لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ضريح. وألا يعرف سلطان البهرة الكيفية التي علمهم إياها صلى الله عليه وسلم في دفن الموتى وهو ما عرف بالدفن الشرعي في الإسلام؟
وهل بنى صلى الله عليه وسلم لعمه حمزة- رضي اللَّه عنه- ضريحا؟ أو لعمه أبي طالب الذي تعتقد الشيعة أنه مات مسلما؟ أو صحابته الشهداء في غزوة أحد وغيرها ممن أبلوا في الإسلام البلاء الحسن؟ وهل بني كذلك لخديجة رضي اللَّه عنها وهي التي وقفت إلى جانبه في تحمل أعباء الدعوة إلى اللَّه.
وعلى رضي اللَّه عنه أشرف على تجهيز الرسول صلى الله عليه وسلم ودفنه في قبر مسوى بالأرض أرض حجرة عائشة رضي اللَّه عنها… هل كان مقصرًا في هذا…؟ وهل الصحابة رضي اللَّه عنهم قصروا حين وافقوا عليا رضي اللَّه عنه في ذلك وحين دفنوا بعد الرسول صلى الله عليه وسلم كما دفن؟.
إن الرسول صلى الله عليه وسلم علمهم الدفن الذي يجب، وكان يزاوله بنفسه، وأوصاهم بما يفعلون قبل أن يتوفى. فما بالنا نخرج على هذا؟
* * *
إن الأصل في ذلك يرجع إلى ما أحب أن يعرفه سلطان البهرة إن لم يكن يعرفه من قبل، فإن من الشجاعة الدينية، بل ومن الإسلام الحق أن يرجع عن رأيه ويعلن حرمة إقامة هذه الأضرحة وإقامة هذه المقاصير ومخالفتها للشرع، يكون بذلك قد قضى على ضلال ألف ومائة عام سار فيه جمهور كبير من جماهير المسلمين. الأصل في ذلك أن الأوائل من رءوس ودعاة الدعوة الإسماعيلية والفاطمية، أرادوا صرف المسلمين عن اللَّه، عما جاء به رسوله صلى الله عليه وسلم، كى يحبطوا عمل المسلمين، ويقضوا على الإسلام في نفوسهم كدين وعليهم كدولة، فابتدعوا كذلك وسيلة ظنوا أن يقبلها المسلمون، يظنونها من دينهم، وهي فكرة الإمامة بذلك المعنى الشيعى الغالى أو الإسماعيلي الفاطمى، فأضفوا على الإمام صفات في حال الحياة أعلى مما للنبي صلى الله عليه وسلم من صفات، بل نسبوه إلى اللَّه وجعلوه هو الذي يدور عليه الكون، أو مركزًا تدور عليه الحياة والبشرية، فهو الذي له الحكم فيهم، وهو الذي يجرهم إلى طاعته، وهو الذي يرفعهم درجات، ويرفعهم من نقصهم البشرى إلى كمالهم الإلهى الذي فيه تزول عنهم التكاليف والعبادات ويصبحون في غير حاجة إليها- حتى إذا مات ربطوهم به أيضًا عن طريق التفخيم والتعظيم لقبره ذلك التفخيم والتعظيم لتلك القبور الذي حصل بعد وفاة الأئمة من آل البيت والذى لم يرض عنه صلحاء الأمة من يوم أن وجد.
وقد نجحوا في ذلك، فنجد الكثيرين من المسلمين اليوم- ممن مالوا ميل هؤلاء- مشغولين بالضريح وصاحب الضريح انشغالا عن اللَّه وعن رسوله وعن كتابه الكريم، ومن هنا حصلت تلك الخلخلة الدينية والزعزعة في العقيدة التي حلت بالمسلمين وابتدأت بهم منذ أكثر من ألف عام، وكانت سببًا في تخلفهم الذي هم عليه، ولا زالت تعمل على ذلك مهما يبذل المصلحون والدعاة في سبيل تغيير ما بالمسلمين وإرجاعهم إلى حالة القوة والعزة.
فهل يرضى سلطان البهرة ذلك؟
* * *
ثم نأتى إلى الإنسان بعد الوفاة وحال الآخرة: هل حياته في الآخرة مثل حياته في الدنيا؟ وهل هو في آخرته يحتاج دنيانا ومظاهرها وأشكالها؟ وهل مثل هذه المقصورة أو ما هو أحسن منها يرضيه أو يسترعي اهتمامه؟
إن آل البيت رضي اللَّه عنهم بل والصالحين جميعًا يسخرون ممن يفعل ذلك، ويبرءون إلى اللَّه مما ينسب إليهم.
وهل دنيانا بذهبها وفضتها تساوي عندهم شيئًا أو تزن مثقال ذرة مما هم فيه، إن دنيا الأحياء أولى بالأحياء، فهم الذين يحتاجونها. إن حاجة المسلمين اليوم في الاقتصاد، وفي الحرب وفي التصنيع والتطوير، لا تسمح بهذا التبذير والإسراف أبدا، وكان أجدى على المسلمين أن ترصد قيمة هذه المقصورة والتي قبلها على القب