لِمَ هذه الضجة الكبرى – 2 –
ردًّا على مقال للدكتورة سهير القلماوي بعنوان
” مفتاح تحرير المرأة … انضمامها إلى جيش الإنتاج ”
الذي صدر في مجلة روزاليوسف المصرية عدد 2443
25 من ربيع الأول سنة 1395 هـ
بقلم الأستاذ إبراهيم إبراهيم هلال
وحين أوفدت النساء إليه أسماء بنت يزيد الأنصارية ، فقال له ( : ” إنا معشر النساء قواعد بيوتكم ، وحاملات أولادكم ، وإنكم معاشر الرجال ، فضلتم علينا بالجمع والجماعات ، وعيادة المرضى ، وشهود الجنائز ، والحج بعد الحج ، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ، وأن أحدكم إذا خرج حاجًا ، أو معتمرًا ، أو مجاهدًا ، حفظنا أموالكم ، وغزلنا أثوابكم ، وربينا أولادكم ، أفنشارككم في هذا الأجر والخير ؟ فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إليها وقال : ” افهمي أيتها المرأة وأعلمي من خلفك من النساء أن حسن تبعل المرأة لزوجها ، وطلبها مرضاته ، واتباعها موافقته يعدل ذلك كله ” . كما نتمثل أيضًا بقوله ( : ” خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهلي ” . ” والله ما أهانهن إلا لئيم وما أكرمهن إلا كريم ” . ” خير نساء ركبن الإبل نساء قريش ، أحناهن على مرضع في صغره ، وأرعاهن لبعل في ذات يده ” . وقوله : ” إن لنفسك عليك حقًا ، ولزوجك عليك حقًا ، فأعط كل ذي حق حقه ” .
نحن في حاجة إلى هذه التوعية ، وليس إلى قلب الأوضاع التي تعارفت عليها البشرية من يوم أن تمدينت أو تدينت وأتتها رسالات السماء ، ولن تستقيم الحياة ، إلا إذا كان الرجل والمرأة شريكين في الحياة شركة مندمجة متكاملة لا يستطيع أحدهما أن يميز نفسه عن الآخر ، ولا أن يفصل نفسه كجانب من جانبي هذه الشركة عن الجانب الآخر .
إن الأديان السماوية قديمًا ، أرادت أن تؤكد هذا المعنى ، فنسب إليها أنها قالت : إن حواء خلقت من ضلع آدم ، أي أن المرأة والرجل كل واحد ، أو شخص واحد ، وجاء الإسلام آخرًا فقرر أن آدم وحواء نفس واحدة ، ونحن جميعًا خلقنا من هذه النفس الواحدة .
إن الرجل والمرأة صنوان ، لا يفترقان ، لا شكلاً ، ولا موضوعًا ، هما كالنخلتين اللتين نبتتا عن جذر واحد ، فإذا فصل بينهما مات ، وهلك كل منهما على حدة .
إن النساء من الرجال ، والرجال من النساء ، وهن إن لم يكن لنا زوجات ، فهن أخوات ، وأمهات ، وبنات ، وقريبات ، أولو أرحام ومحارم ، وليس هذا جنسًا وذلك جنس آخر ، كما قالت بذلك المدنية الحديثة ، وإنما الرجل والمرأة جنس واحد وفصيلة واحدة ، هي النفس الواحدة التي خلقنا منها ، وهي الآدمية ، والإنسانية ، فلا داعي لو ضعهما وضع الشقاق هذا ، أمام بعضهما ، ووضع المنابذ ، والمتربص ، والحذر من أخيه أو من شريك حياته ، وضع العدو أمام عدوه .
وفي النهاية ، لا داعي للإثقال على المرأة وتكليفها عبئًا فوق عبئها الأصلي ، ألا وهو البيت ، وما يتصل به من إنجاب أولاد ، ورعايتهم ، وإلا كنا أعداء لها ، لا أصدقاء ولا أحباء ، وخير لها منا أن نبصرها بمهمتها الأساسية في الحياة ، وبالحياة كما يجب أن تكون ، وبواجبها نحو مجتمعها كزوجة ، وأم منجبة ، أو كخير أم لأعظم أبناء ، ولأعظم وطن ، وأقوى دولة .
فهذه هي رسالتها ، وهذا هو عملها ، وقد صدق من قال : ” إن المرأة التي تهز المهد بيمينها تهز العرش بشمالها ” .
والدولة من جانبها قد فطنت إلى أثر الأم هذا ، وعظم مهمتها ، فكرمتها في عيدها ، وجعلت للأمهات المنجبات ألقابًا تشريفية ، يقابلها جوائز مالية ، هي رمز لتقدير بطولة هؤلاء المثاليات ، وجعلت هذا بابا للرعاية الاجتماعية الدائمة لهؤلاء الأمهات ، وللأم عمومًا ، وعند الاحتياج أو فقد العائل ، فإن أجهزة الدولة المختلفة تبادر مسرعة إلى الوقوف بجانب المرأة أمًا أو أختًا ، أو زوجة ، أو بنتًا ، وتقدم لها ما هو من حقها بسبب انتسابها لذلك العائل الراحل ، وما تحتاجه من زيادة تراها الدولة ، ويراها البحث الاجتماعي في حاجة إليه ، وهذا حقها على الدولة كأم ، أو كأم في المستقبل لها أثرها في توجيه الأسرة ، ومن ثم في توجيه الدولة ، وهو واجب الدولة نحوها ، سواء كانت موظفة ، أو عاملة ، أو غير عاملة .
فالدولة أم للجميع ، وهي مطالبة بكفالة أبنائها ، سواء أعملوا في مصانعها ومزارعها ودواوينها ، أو كانوا ممن لهم صلة قربى بهؤلاء العاملين ، هذا حق، وهذا واقع ، وهو إن يكتمل اليوم فهو في طريق الاكتمال وسيكتمل بإذن اللَّه.
ومن بوادر هذا ما أشار به الرئيس السادات في اجتماعه الهام الذي عقده على مستوى المسئولية العليا في الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة 1395 هـ من ضرورة ضمان معاش لكل أرملة ، وكل مطلقة ، وكل عاجز ، وكل مسن ، وكل محتاج وطبعًا سواء أكان ذلك المحتاج ذكرًا أم أنثى . وقد بدئ على الفور بدراسة ذلك كمقدمة للتنفيذ . وليس هذا إلا امتداد المبدأ والرعاية الاجتماعية الذي كنا نسير عليه والذي كان في حاجة إلى دفعات إلى الأمام ؛ فوجد من رئيسنا المؤمن هذه الدفعة