لماذا التوحيد ..
– 2 –
للأستاذ الشيخ : محمد عبد المجيد الشافعي
الرئيس العام للجماعة
ورئيس التحرير
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
ويروي البخاري عن السيدة عائشة رضي اللَّه عنه قالت : سمعت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم يقول : (( إن الملائكة تنزل في العنان ( السحاب ) فتذكر الأمر قضي في السماء فتسترق الشياطين السمع فتسمعه فتوصيه إلى الكهان فيكذبون معها مائة كذبة من عند أنفسهم )) .
من هذا يبدو لك أن هؤلاء الشياطين من الإنس يتخذون من شياطين الجن عونًا على التغرير بالناس والإيقاع بهم في حبائل الشرك حيث تدخل على الواحد منهم فيطرق إطراقه وينتظر فترة ، ثم يحدثك بما هو واقع في بيتك أو بينك وبين زوجك ، فتظن أنه يعلم الغيب مع اللَّه فترك باللَّه من حيث لا تشعر ، وبهذا الظن تكذب صريح القرآن الذي يؤكد في غير موضع أن الغيب كله لله حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب ، بدليل قول اللَّه سبحانه : { قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاء اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ … } ، وكثير من الناس يظن أن الجن يعلمون الغيب فيشرك بالله ما لم ينزل به سلطانًا ، وإذا كان الرسول الأعظم والنبي الأكرم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب فكيف بالجن يعلمون الغيب !!؟؟
ومع أن القرآن الكريم يحكي لنا أنهم لا يعلمون الغيب بدليل قول اللَّه تعالى حكاية عن الجن مع سليمان عليه السلام فيقول : { فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلاَ دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ } [ سبأ : 14 ] .
كل هذه الآيات والأحاديث التي ذكرناها ، وغيرها كثير إنما للغاية منها أن يعلم الناس أن اللَّه وحده هو الذي يعلم الغيب ولا يطلع على غيبه أحدًا من ارتضى من رسول ، وأنه عندما يطلع الرسل على بعض الغيب إيقانًا بنبوتهم وتصديقًا لرسالاتهم ، أما غير الأنبياء الذين يدعون علم الغيب دجالون يجب على الأمة أن تحذرهم وعلى الشعب أن يلفظهم .
وأما السلطاني الروحي من الإنسان – المقصود بالسلطان الروحي هنا هو ما يكون بين شيخ الطريقة ومريده من أن يكون المريد في يد شيخه كالميت في يد الغاسل – على أخيه الإنسان فهو البلية العظمى والطامة الكبرى التي أودت بعز المسلمين وقضت على مجد الإسلام وقوضت بنيانه وهدمته أركانه .
وهو الذي إذ درسته أنصار السنة المحمية ووقفت من التاريخ على أثره الخطير وشره المستطير ، فزعت إلى المسلمين في بقاع الأرض تحذرهم من الوقوع فيه والاستمرار في تعاطيه .
فهو – أي السلطان الروحي – إفك أعظم ما يكون الإفك ، بل هو الضلال والشرك وهو الرق أعنف ما يكون الاستعباد والرق وهو الذي يعمد به الأشياخ إلى المريد لسلب إرادته وهدم شخصيته حيث يطلبون منه ألا يفكر ولها مدبر ، وينفثون في روعه بكلمات وتمتمات تبدو وكأنها كلمات الأبرار ، وهي في حقيقتها كلمات تحمل في طياتها الخراب والدمار وهو الذي يطالب المريد أو التابع أن يكون مع شيخه كالميت بين يدي الغاسل فيمسخه ويحيله من صفته كإنسان ويجعله كالحيوان ينصاع لصاحبه يجره بحبل في عنقه كيف يشاء لا يدري إلى أين المصير .
ومن ثم فهو يقضي بالتابعين والمريدين إلى التقليد ، والتقليد منزلق إلى البلاد وتوقف العقل وتعطل الفكر وركود الذن .
وبه أي السلطان الروحي يتسلط أولئك الذين اتخذوا الدين حرفة وباعوه بضاعة مزجاة في شكل عهود وحجب وتمائم على مريديهم وأتباعهم حتى يجعلوا أفئدتهم هواء ( خاوية ) إلا من الخضوع لهم والذل أمامهم أكثر من الذل بين يدي اللَّه والخوف منهم كيلا يعطبوهم أو يعيبوهم بالسوء .
وهم يصدونهم عن كتاب اللَّه حتى لا تتفتق أذهانهم ولا تفقه قلوبهم لا تنفتح أعينهم على الحقيقة الكبرى وهي أن الملك لله وحده يتصرف فيه كما يشاء ويفعل ما يشاء { لا يسأل عما يفعل وهم يسألون } ألا تراهم يوهمون البسطاء والجهلاء بعدم قراءة القرآن بزعم أن من لحن فيه فقد كفر ، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : (( الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران )) . وليت الأمر كذلك وحسب ، بل إنهم في الوقت الذي يمنعونهم من قراءة القرآن يأمرونهم بتلاوة الياقوتة والوظيفة وما لم ينزل اللَّه به سلطانًا ، ثم هم بعد ذلك يذكرون كرامات الأوتاد والأنجاب والأبدال والأقطاب ، وتصرفاتهم في الخلق والكون بما يفزع قلوب المريدين . ويصور الأشياخ من هؤلاء بصورة المتصرفين في الكون من دون الله ، فتذل لهم النفوس وتخشع لهم القلوب .
وهاك ما يقوله إبراهيم الدسوقي عن نفسه : ( أنا اللَّه قال لي يوم ولادتي هذا