لماذا التوحيد ؟
للأستاذ الشيخ : محمد عبد المجيد الشافعي
الرئيس العام للجماعة
بسم اللَّه الرحمن الرحيم
توحيد الألوهية
341 قصة التأويل
وخلاصة القول – حتى نختم الكلام في توحيد الأسماء والصفات -: هو إثبات ما وصف اللَّه به نفسه من الصفات ، ونفي مماثلته لشيء من المخلوقات .
وأن ذاته سبحانه مستقلة عن كل الذوات ، وأنه مستو على عرشه ، بائن من خلقه ، موصوف بكل كمال ، ولهذا ذم اللَّه تعالى آلهة الكفار بأنها لا تسمع ولا تبصر ، كما يقول ربنا سبحانه حكاية عن خليله إبراهيم ( : { يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا } ، وأثبت لنفسه السمع والبصر ، على الرغم من أن الإنسان يسمع ويبصر ؛ لأن سمعه ليس كسمع المخلوق ، ولا إبصاره كإبصار المخلوق ، ومن ثم فقد أثبت الله لنفسه صفات تشبه صفات الإنسان من حيث الفهم ، لكنه نفى المثلية فيها ، فقال سبحانه : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } .
ويقول ابن القيم : إن السلف هم أفضل الناس مذهبًا ، وأهداهم طريقة ، وجملة مذهبهم هو الإقرار بوحدانية الله ، والإيمان بملائكته وكتبه ورسله وكل ما جاء من عند الله ، وما رواه الثقات عن رسول اللَّه ( ، وأن الله فرد صمد ، وأنه لم يتخذ صاحبة ولا ولدًا ، وأن محمدًا عبده ورسوله ، وأن الجنة حق ، والنار حق ، وأنهما موجودتان الآن ، وأنهما لا تفنيان ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها أن الله يبعث من في القبور .
وأن الله تعالى مستوٍ على عرشه كما أخبرنا في كتابه الكريم فقال : { الرحمن على العرش استوى } ، وأن له يدين كما قال ربنا : { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } ، وأن له عينين كما أخبر سبحانه : { تجري بأعيننا } ، وغير ذلك من الصفات التي ورد بها الكتاب الكريم والسنة المطهرة .
وأنه عليم سميع وبصير ، وأنه ذو قوة متين ، كما قال سبحانه : { إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } .
وأن من زعم أن الله شاء لعباده الذين عصوه وتكبروا – شاء لهم الخير والطاعة ، ولكنهم شاءوا لأنفسهم الشر والمعصية ، فعملوا على مشيئتهم دون مشيئته – فقد زعم أن مشيئة هؤلاء العباد غلبت مشيئة اللَّه ، تعالى الله عن ذلك علوًا كبير .
هذا بعض من كل ما خلص إليه ابن القيم في عقيدة السلف . ويقول صاحب مختصر الصواعق للرسالة : إن الناس تنازعوا في كثير من الأحكام ، ولم يتنازعوا في آيات الصفات ، بل اتفق الصحابة والتابعون على إقرارها ، وإقرارها مع فهم معانيها ، وهذا يدل على أن القرآن والسنة بيناها بيانًا شافيًا ؛ لأنهما من تمام تحقيق الشهادة ؛ وإثباتها من لوازم التوحيد والتنزيه ، وتعطيلها تنقيص في قدر الله سبحانه ، ولهذا بينها الله ورسوله بيانًا شافيًا .
ويقول الصابوني في كتابه عقيدة السلف : إن السلف كانوا يصفون الله تعالى بكل ما وصف به نفسه وما وصفه به رسول الله ( بلا تحريف ولا تأويل ، مثل السمع والبصر واليد والعين والوجه والرضا والغضب والضحك والقوة والإرادة والمشيئة وغيرها بدون تشبيه لشيء من ذلك بصفات المخلوقين ، بل ينبهون في الصفات كلها إلى ما قاله الله ورسوله ( من غير زيادة عليه ولا إضافة إليه ولا تكييف ولا تشبيه ولا تحريف ولا تبديل .
والدليل على أن السلف كانوا يفهمون المعنى من اللفظ – أنه لم يرد ما يشير إلى أنهم سألوا الرسول ( عن معنى صفة من هذه الصفات ، على الرغم من أنهم كانوا يسألونه صلوات الله عن أقل الأشياء وأصغرها .
ويقول المقريزي مؤيدًا مذهب السلف : إن السلف لم يسألوا رسول اللَّه ( ( عن معنى الصفات ) كما سألوا عن أمر الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك مما لله فيه سبحانه أمر ونهي ، إذ لو سألوا عن الصفات الإلهية وكيفيتها لنقل ذلك عنهم ، كما نقلت أسئلتهم عن الحرام مما فاضت به الأحاديث الصحيحة ، إذ أنهم لو لم يفهموا معناها لسألوا عنها كما سألوا عن غيرها .
ويقول : ومن أمعن النظر في دواوين الحديث النبوي ، ووقف على الآثار السلفية – علم أنه لم يرد قط من طريق صحيح ولا سقيم عن أحد من الصحابة رضي اللَّه عنهم – مع كثرة عددهم – أنه سأل رسول الله ( عن معنى شيء مما وصف الرب به نفسه الكريمة في القرآن الكريم ، وعلى لسان نبيه ( ، بل كلهم فهموا معنى ذلك وسكتوا عن الكلام في الصفات .
ولم يفرق بعضهم بين كونها صفة ذات أو صفة فعل ، وإنما أثبتوا له تعالى صفات أزلية من العلم والقدرة والإرادة ، فأثبتوا ما وصف الله به نفسه بلا تشبيه ، ونزهوا من غير تعطيل ، ولا يتعرض مع ذلك أحدهم إلى تأويل شيء من هذا وجرت كما وردت .
وهذا هو الفخر الرازي – وهو من غلاة المتكلمين المسرفين في الطعن على السلف ومن المؤلفين في كل فن حتى في السحر والتنجيم – ألف كتابه السر المكتوم في مخاطبة الشمس والنجوم ، يزعم فيه أن الساحر يستطيع أن يقلب الإنسان حيوانًا والعكس تمامًا . وله