لماذا التوحيد؟..
للأستاذ الشيخ محمد عبدالمجيد الشافعي
الرئيس العام للجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام، كلمة تطرب لها النفوس وتطمئن بها القلوب، وتنشدها الأمم وتتغنى بها الدول، وتشكل من أجلها المحافل الدولية حتى يتحقق على الأرض السلام.
ومن أجل السلام أرسلت الرسل وأنزلت الكتب ليقوم الناس بالقسط ، فإذا قام الناس بالقسط تحقق العدل وإذا وقع العدل بين الناس رفرف السلام، ولهذا يقول الله سبحانه : (لقد أرسنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز) (الحديد: 44).
وقد سمى الله نفسه السلام في قوله تعالى: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون) (الحشر:22).
فأمره سلام ونهيه سلام وزجره سلام، ويتجلى ذلك في الحلال والحرام، فهو قد أحل الزواج وحرم الزنا وأحل البيع وحرم الربا وأحل الكسب وحرم الميسر وأحل الطيبات وحرم الخبائث ، ولو ذهبت تعدد الحرام والحلال لوجدت أن الحرام كله هو السر في إنحلال الأخلاق وفساد الطباع وتفشي الأمراض واستعمال الأحقاد واستغلال الجريمة واستعلاء الرذيلة واختناق الفضيلة وغيرها من الأمراض الاجتماعية، كل ذلك كان سيئة عند ربك مكروهًا وكل أولئك أمراض اجتماعية خطيرة تهدد السلام الاجتماعي وتهدم كيانه وتحطم بنيانه فتقع الأمة في الخطئين الغائب والعتيد. ويحيق بها الخطران القريب والبعيد وهما عذاب الدنيا ونكال الآخرة.
فالسلام الاجتماعي في أمة من الأمم رهن بحكم الله يسود وأمره ينفذ، ورسوله صلى الله عليه وسلم يتبع، ويكون صلى الله عليه وسلم هو القدوة الصالحة والأسوة الحسنة كما قال الله سبحانه : (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرًا).
ويبدو ذلك في تضامن الأمة وسلامة صفها وشرف رجالها واتحاد كلمتها وتعاطف أفرادها وعفة نسائها.
واستعلان الأمانة وانتفاء الخيانة والمحبة والمودة تطهر آثارها فتربط بين قلوب طبقاتها وهذه وغيرها رهن بمكارم الأخلاق التي أمر بها القرآن ودعا إليها الإسلام وطبقها عمليًا الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى سئلت السيدة عاشئة أم المؤمنين رضي الله عنها عن خلق رسول الله فقالت : (كان خلقه القرآن)، ومن ثم كان القرآن منبع كل فضيلة ومصدر كل صفة حميدة وخلة نبيلة وجماع هذه كلها تلك الصفات العلى التي اتصف بها الخالق جل وعلا في أسمائه الحسنى ومنها أنه السلام.
وفي الصحيح عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (كنا إذا كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة قلنا السلام على الله من عباده – السلام على فلان وفلان فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا السلام على الله فإن الله هو السلام). وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انتهى من الصلاة المكتوبة استغفر ثلاثًا وقال : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام – والله هو السلام لأنه سبحانه سلم من كل نقص وعيب، ومن كل تمثيل فهو الموصوف بكل كمال المنـزه عن العيوب والنقائص – وقد سمى الله نفسه السلام لكمال تنـزيهه عن النقائص والعيوب التي تلحق بالمخلوق ولا تليق بالخالق، فالمخلوق يموت والله حي لا يموت. والإنسان ينسى والله لا ينسى، والإنسان ينام والله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام ولا يعتوره مرض ولا غفلة ولا شيب ولا ضعف وعناء، ولا يصيبه الفقر وعزته ممتنعة عن المذلة وهو غالبة على أمره.
فما هذا السلام الكوني الذي ينتظم الكون فلا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون.
وما هذا النظام المحكم في الكون سمواته بحجرانها وأجرامها وكواكبها ونجومها وليلها ونهارها – وأرضه وفجاجها وجبالها وسهولها ووديانها وأنهارها وبحارها وزرعها وجزعها وحيواناتها وحشراتها وأطيارها ومناجمها إلا مظاهر لهذا الاسم الجليل – السلام.
والسلام هو الذي يملك أن يهب السلامة لمن يشاء من عباده ؛ لأنه يملك السموات والأرض والحياة والموت والعز والذل والضر والنفع وهو على كل شيء قدير. فمن كان يرجو السلامة من الأمراض والأحقاد والنجاة من البلايا والرزايا وأن ينفك عنه الكرب والخطب فلا يطلبها إلا من السلام.
فلا سلامة للشعب ولا نجاة للأمة ولا سلطان للدولة إلا إذا لجأ الجميع إلى السلام يطلبون منه الأمن والأمان والسلم والسلام بتنفيذ كتابه واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم.
ولا سلامة لهذه الأمة إلا إذا ضربت بمعاولها هذه القباب وتلك المقاصير التي شدت إليها جموعا من الدهماء وزرافات من البسطاء يتجمعون حولها وينامون عندها ويذبحون الذبائح لها ويقيمون السرادقات ويعلقون الثريات ويقيمون الموالد لها خوفًا من بطشها وطمعا في برها، وينسون أو يتناسون أن الله هو البر الرحيم، وأن القب