لماذا التوحيد؟..
للأستاذ الشيخ محمد عبدالمجيد الشافعي
الرئيس العام للجماعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين
وتوحيد الأسماء والصفات يحفزنا إلى إمعان النظر فيها للتعرف على الاسم العلم على الذات، ثم التعرف أيضًا على أسمائه سبحانه وتعالى، للوقوف قدر الإمكان على مدلولاتها، والآثار المترتبة عليها، حتى نعرف الإله الذي نعبد، فيزداد إيماننا به وخشوعنا له ونسارع إلى التضحية في سبيله ونقدم الأرواح رخيصة لنصرة دينه، ونبذل المال بسخاء ابتغاء مرضاته؛ لأن معرفة الله هي أسمى المعارف وأعظمها، وهي قطب الرحى الذي تقوم عليه حياة الروح والقلب، فإذا استقامت هذه الحياة حياة الروح والقلب استقام كل شيء في الإنسان من أفعاله وأقواله وكافة تصرفاته، إذ تخلق منهما ضميرا يقظا، وتجعل من الضمير حارسًا على النفس كلما شطت صدها، وكلما جمحت مع الهوى ردها، وكبح جماحها وتحط بالنفس أبراج من المراقبة كل واحدة على صلة مباشرة بالأخرى فلا تكاد تحس العدو من شيطان أو إغواء أو إغراء أو استهزاء يريد أن يقتحم النفس حتى تهب جميعًا لحمايتها من الأعداء وتحذرها من النتائج السيئة والآثار الخطيرة التي تنتظرها.
ولهذا كان الإيمان بالله من طريقين:
1- التعرف على أسماء الله وصفاته.
2- إعمال العقل والفكر والنظر فيما خلق الله من أشياء ، ولهذا تكثر الآيات التي تدعو إلى التفكر وإلى النظر والتعقل في آيات الله الكونية وما خلق من سموات وأرض ونبات وشمس وقمر وليل ونهار فيقول ربنا سبحانه : (قل انظروا ماذا في السموات والأرض). [يونس من الآية 101].
ويقول سبحانه : (إن في خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون) [البقرة 164].
ويقول تعالى: (قل إنما أعظكم بواحدةٍ أن تقوموا لله مثنى وفرادى ثم تتفكروا ما بصاحبكم من جنة) [سبأ من الآية 46]، كل ذلك ليهدي الإنسان عن طريق العقل والحس والفكر والنظر إلى سنن الحياة وعلة الوجود وحقائق الأشياء وبدائع المخلوقات فيفتح له بذلك نوافذ يبصر منها عظمة الخالق وقدرته ووحدانيته وأنه على كل شيء قدير، كما يدفعه بذلك إلى استقراء كتاب الطبيعة وصفحة الكون فتتجلى له صفات كمال الله وأدلة وحدانيته ومظاهر ربوبيته وشمول علمه وتفرده بالخلق والإبداع.
وإليك صورة من الحوار الذي دار بين سقراط وأرسطو وأكد فيه سقراط الإيمان بالله عن طريق العقل.
سقراط: أيوجد رجال تعجب بمهارتهم وجمال صنائعهم؟
أرسطو: نعم أعجب في الشعر القصصي بهومير وفي التصوير بزوكيس وفي صناعة التماثيل بـ…
سقراط: أي الصناع أولى بالإعجاب: الذي يخلق صورًا بلا عقل ولا حراك أم الذي يبدع كائنات ذات عقل وحياة؟
أرسطو: طبعا الذي يبدع الكائنات بالعقل والحياة إذا لم يكن من نتائج الاتفاق.
سقراط: وهل يمكن أن تعطى الأعضاء لمقاصد وغايات خاصة – عين ترى وأذن تسمع وأنف يشم ولسان يتذوق – والعين تحاط بحراسة لحساسيتها فتقفل عند النوم أو عند الحاجة وتحرس بالرموش والحواجب ويجعل للأذن جهاز خارجي يجمع لها الصوت – فهل يمكن أن يكون كل ذلك وغيره كثير من نتائج الاتفاق؟
والميل المودع في النفوس للتناسل، والحنان المخلوق في قلوب الأمهات لأولادهن مع ندرة أن ينفع الولد أباه أو أمه، والطفل الذي يلهم الرضاعة بمجرد ولادته هل كل ذلك من نتائج الاتفاق؟
أرسطو: لا بل إن ذلك يدل على الإبداع وعلى أن الخالق عظيم يحب الكائن الحي ولكن لماذا لا نرى الخالق؟
سقراط: و أنت أيضًا لا ترى روحك التي تتسلط على أعضائك، فهل معنى هذا أن نقول إن افعالك صادرة عن اتفاق وبدون إدراك؟ (كتاب العقائد الإسلامية لفضيلة الشيخ سيد سابق).
والطريق الأهم هو استعراض أسماء الله الحسنى وصفاته المثلى التي لا مثيل لها والتي تشيع في النفس ضياء وتملأ القلب نورًا فيتحرك الوجدان وتسمو الروح. وتطل من سموها على آفاق فسيحة تشاهد فيها أنوار الله وجلاله.
واسم العلم على الذات الإلهية هو لفظ الجلالة (الله) وقد تكرر هذا الاسم الكريم 2697 مرة في القرآن الكريم وقد اختلف العلماء في اشتقاقه على عشرين قولا كما قال الفيروز ابادي ثم انتهى إلى أنه علم غير مشتق – وهو يوصف بغيره من الأسماء والصفات، ولا يوصف به، ولا يطلق على أحد غير الله، في حين أن بعض أسماء الله قد تطلق على غيره من بني البشر فيقال رأيت الرجل الكريم، ويصف الله نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: (.. عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم).
ولعل الاسم الوحيد الذي لا يطلق على أحد سوى الله غير لفظ الجلالة هو الرحمن ولذلك يقول الله تعالى : (قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن أيًا ما تدعو فله الأسماء الحسنى).
ولذلك لما اجترأ مسيلمة الكذاب لعنه ال