لكل عمل شِرة ولكل شِرة فترة
كتبه الشيخ : أسامة علي سليمان
الحمد للَّه وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده .
فإن التعرف على طريق الدعوة إلى اللَّه وبيان معالمه وآفاته من الأهمية بمكان للسالكين والعاملين على هذا الطريق ؛ كي يعدوا للأمر عدته ويستعدوا لكل شيء بأهبته ، فاللَّه سبحانه وتعالى يقول : { قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي } [ يوسف : 108 ] .
ومن الآفات الخطيرة في طريق الدعوة إلى اللَّه وطريق النجاة ؛ ظاهرة الفتور في طلب العلم والعبادة والدعوة إلى اللَّه ، فما هو الفتور ؟ وما هي أسبابه وآثاره وكيفية علاجه ؟
عرف بعض العلماء الفتور بأنه الكسل والتراخي والتباطؤ بعد النشاط والجد والحيوية ، وعرفه الراغب بقوله : هو سكن بعده حدّة ، ولين بعد شدة ، وضعف بعد قوة .
ولقد جاء ذكر الفتور في القرآن في مواضع عديدة ؛ منها :
1- قوله سبحانه : { وَلَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ عِندَهُ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلاَ يَسْتَحْسِرُونَ @ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لاَ يَفْتُرُونَ } [ الأنبياء : 19، 20 ] .
2- قوله سبحانه : { إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ @ لاَ يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ } [ الزخرف : 74، 75 ] .
3- قوله سبحانه : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلَى فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَاءنَا مِن بَشِيرٍ وَلاَ نَذِيرٍ فَقَدْ جَاءكُم بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } [ المائدة : 19 ] .
4- وقوله سبحانه : { وَلاَ تَسْأَمُوْاْ أَن تَكْتُبُوْهُ صَغِيرًا أَو كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقْومُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُواْ } [ البقرة : 282 ] .
وكذلك ذكر الفتور في سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن أمثلة ذلك :
1- حديث أنس ، رضي اللَّه عنه ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد فوجد حبلاً ممدودًا بين ساريتين ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عنه ، فقالوا : لزينب ، فإذا فترت تعلقــــت به ، فأمر صلى الله عليه وسلم بِحَلِّه ، وقال : (( ليصل أحدكم نشاطه ، فإذا فتر فليقعد )) . متفق عليه .
2- وعن ابن عباس ، رضي اللَّه عنهما ، قال :
كانت مولاة للنبي صلى الله عليه وسلم تصوم النهار وتقوم الليل ، فقيل له : إنها تصوم النهار ، وتقوم الليل ، فقال صلى الله عليه وسلم : (( إن لكل عمل شِرة ، ولكل شرة فترة ، فمن كانت فترته إلى سنتي فقد اهتدى ، ومن كانت فترته إلى غير ذلك فقد ضل )) . متفق عليه .
والشرة : يعني الجد والنشاط والحيوية .
3- عن عائشة ، رضي اللَّه عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها وعندها امرأة ، فقال : (( من هذه ؟ )) قالت : فلانة لا تنام ، فذكرت من صلاتها ، فقال : (( مه ، عليكم بما تطيقون ، فواللَّه لا يمل اللَّه عز وجل حتى تملوا ، ولكن أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه )) .
ومن أقوال السلف ، رضوان اللَّه عليهم ، قول ابن القيم ، رحمه اللَّه : ( تخلل الفترات للسالكين أمر لا بد منه ، فمن كانت فترته إلى مقاربة وتسديد ولم تخرجه من فرض ولم تدخله في محرم رُجي له أن يعود خيرًا مما كان ) .
وقال علي بن أبي طالب ، رضي اللَّه عنه : إن النفس لها إقبال وإدبار ، فإذا أقبلت فخذها بالعزيمة ، وإذا أدبرت فاقهرها على الفرائض والواجبات .
ولما مرض ابن مسعود ، رضي اللَّه عنه ، بكى فقال : إنما أبكي ؛ لأنه أصابني على حال فترة ، ولم يصبني على حال اجتهاد . (( النهاية في غريب الحديث )) لابن الأثير .
وللفتور أسباب عديدة ؛ منها :
1- الغلو والتشدد والانهماك في الطاعات وحرمان الجسد حظه من الراحة والطيبات ، فهذا يؤدي حتمـًا إلى الملل والضعف ، ومن ثم الانقطاع والترك ؛ لذلك قال صلى الله عليه وسلم : (( هلك المتنطعون )) . وبنو إسرائيل شددوا فشدد اللَّه عليهم .
ولقد حذرنا صلى الله عليه وسلم من الغلو فقال : (( إياكم والغلو في الدين ، فإنما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين )) . رواه أحمد في (( مسنده )) .
2- الإسراف والتجاوز في تعاطي المباحات ، ولذلك حذرنا سبحانه وتعالى من الإسراف ، فقال : { وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ } [ الأعراف : 31 ] .
فالشبع يؤدي إلى التخمة ، والسمنة تؤدي إلى التثاقل والكسل والتراخي ، ولذلك يقول عمر بن الخطاب ، رضي اللَّه عنه : إياكم والبطنة في الطعام والشراب ، فإنها مفسدة للجسد ، مورثة للسقم ، مكسلة عن الصلاة ، وعليكم بالقصد فيهما ، فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف ، وأن اللَّه تعالى ي