لا يا لجنة الإفتاء بالجزائر
بقلم : سماحة الشيخ عبد الله بن حميد
رئيس المجلس الأعلى للقضاء
بالمملكة العربية السعودية
الحمد لله وحده . اطلعت على ما نشرته جريدة الشعب الجزائرية الصادرة بتاريخ 29/6/1395هـ . بشأن الهدايا بمني والمتضمنة أن لجنة الإفتاء في الجزائر تحت إشراف الأخ مولود قاسم وزير التعليم الأصلي ، والشئون الدينية وبحضور كبار مساعديه وبعض مفتشي الوزارة بالولايات ، وبعض أعضاء الوفدين الرسمي والديني الذين حجوا هذه السنة وبعض أساتذة الطب بالجامعة ، إلى أن قال رأي البعض المحافظة على شعيرة الذبح ، رغم العنت الشديد والصيام عند العجز المالي ، أو الجسمي أو التعذر عمومًا وقوفا عند النصوص التي لا يسوغ معها إعمال الرأي أو الاجتهاد في نظرهم .
ويرى الجمهور مع احترام النصوص ، ووجوب المحافظة على الشعائر الإسلامية طبعا زيادة عن بدل الصيام الوارد في القرآن ، وكذلك الصدقة في الفدية وهدى الصيد أنه:
( أ ) نظرًا لتعذر تنظيم الذبح في الوقت الحاضر ، مع بقاء المفسدة على حالها ، بل وربما ازديادها مع تزايد عدد الحجاج .
(ب) واقتداء بما ذكره بعض الحاضرين ، من أن العلامة الشيخ البشير الإبراهيمى رحمه الله وهو من علماء الإسلام ، قد أفتى في البقاع المقدسة ، بجواز تعويض الذبائح بدفع أثمانها ، وهى فتوى شفوية لم يكن لها نص مكتوب ، أو لم يعثر عليه وإنما تواتر ذكرها ونفذها المرحوم الشيخ محمد العسيري ، عندما كان سفيرًا للجزائر بجدة وتبعه في ذلك كثيرون .
(جـ) واستنادًا إلى ما يجري به العمل ، من دفع الكثير من الحجاج أثمان الذبائح للمطوفين وعمالهم ، بصفة التوكيل ، حيث لا يباشرون بأنفسهم عمليات الشراء والذبح والتصدق باللحوم لتعذر ذلك عليهم وخوف الهلاك من شدة الازدحام .
( د ) وعملا بالمبدأ الأصولى المعروف في الشريعة الذي يقرر بأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ، وبالتالي درءا للمفاسد عن الأمة ، وجلبا لمصالحها معا يجعل هذا المال الذي كان يضيع في التراب ، يفيد الفقراء والمساكين ، وفي سبيل الله يجوز دفع ثمن الذبائح نقدًا لفقراء المسلمين والمساكين بمكة المكرمة ، والبقاع المقدسة وفي سبيل الله عموما…
وبذلك يصبح هذا الرأي فتوى شرعية بالنسبة للحجاج الجزائريين ، وتعلن وزارة التعليم الأصلى والشئون الدينية ، أنها صادقت على هذه الفتوى وتوصي بالعمل بها اهـ: ما نشرته الجريدة ملخصا…
أقول: في هذه الفتوى وهى إخراج القيمة عن الهدى نظر؛ لأنها محض رأي لم تستند على كتاب ولا سنة ، ولا قول صحابي ولا تابعي ، ولم يقل بها أحد من سلف الأمة وأئمتها ، فإخراج القيمة عن الهدى خلاف إجماع المسلمين ، فالواجب عليهم اتباع كتاب ربهم وسنة نبيهم ، قال تعالي: {إنما كان قولَ المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون 0 ومن يطع الله ورسوله ويخش الله ويتقه فأولئك هم الفائزون} . فالدعوة إلى الله هى الدعوة إلى كتابه ، والدعوة إلى رسوله هى الدعوة إلى سنته ، كما في قوله: {فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} . . فقد حكى غير واحد إجماع أهل العلم على عدم جواز إخراج القيمة عن الهدى ، لقوله تعالي: {فمن تمتع بالعمرة إلى الحج فما استيسر من الهدى فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم} فقسم الحكم إلى أمرين لا ثالث لهما ، إما الهدى عند تيسره ، وفي حالة عدمه صيام ثلاثة أيام في الحج ، وسبعة إذا رجع إلى أهله ، ولم يذكر تعالي القيمة مع أنه ذكر الصدقة في فدية المريض والأذى قبل هذه الآية – بقوله: {فمن كان منكم مريضًا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك} . فذكر في هذه الآية الصدقة التي هى إطعام ستة مساكين ، وذكرها على التخيير ، بخلاف دم التمتع ، فلم يذكر فيه الصدقة وإنما أوجب عليهم الهدى ، وعند عدمه الصيام وقد ذكر الإمام النووي إجماع أهل العلم أنه ينتقل إلى الصيام عند عدم الهدى ولو كان واجدا لقيمته فلم يقل بصدقة القيمة عند تعذر وجوده ، فكيف مع وجوده وأيضًا إذا جاز إخراج القيمة عن الهدى وهو دم نسك جاز إخراج القيمة عن الحج ، فإنه إذا جاز في البعض جاز في الكل… أما قولهم: نظرا لتعذر تنظيم الذبح ، في الوقت الحاضر مع بقاء المفسدة على حالها وربما ازديادها مع تزايد عدد الحجاج . . فهذا ليس بمسوغ في رد النصوص وإعمال الرأي . بل على لجنة الإفتاء أن ترشد الحجاج بأن يذبحوا نسكهم في مكة بين الفقراء والمعوزين وذوي الحاجات ، ويطالب الحكومة بتعدد المجازر ، ويسخر أقلامهم في ذلك بدلا من مخالفة النصوص ومخالفة إجماع أهل العلم ، وما نقلوه من أن العلامة البشير الإبراهيمي أفتى في البقاع المقدسة بجواز تعويض الذبائح بدفع أثمانها ، وهى فتوى شفوية لم يكن لها نص مكتوب أو لم يعثر عليه إلخ… فمثل هذا لا يصلح مستندا يخالف به ا