كلمة حق
يُراد بها باطل
تلك هي قول من ينكر السُّـنَّـة : (القرآن تبيان لكل شيء ما فرط الله فيه من شيء) فحقا قال تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء)، وقال: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء) ، ومن الأشياء التي أنزل الله الكتاب تبيانًا لها وجوب الأخذ بالسُّـنة كمصدر للتشريع.
يريد منكرو السُّـنَّـة أن كتاب الله يشرع كل شيء ومباشرة لا بإحالة إلى شيء، حتى ولو كان السُّـنَّـة ، فهل كلمهم الله مباشرة؟ أم كلمهم بإرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهم ليبلغهم عن الله؟ فكما بلغهم عن الله كتابه بلغهم سنته!
إن القرآن شرع وجوب الأخذ بالسُّـنة كمصدر للتشريع ، فإن لم يكن ما شرعته السُّـنَّـة مما شرعه القرآن مباشرة فوجوب الأخذ بالسُّـنة كمصدر للتشريع هو مما شرعه القرآن مباشرة.
هل ثم عيب أن يقول الله في كتابه : (أنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل اليهم)، ويقول: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وكيف تعدون كلام الله عيبًا وتزعمون أنكم تؤمنون أن القرآن تبيان لكل شيء وأن الله ما فرط فيه من شيء؟؟ كيف تكفرون بقوله تعالى: (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا)، وبقوله تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُـزل اليهم) وتزعمون أنكم تؤمنون بقوله تعالى: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) وقوله تعالى: (ونـزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء).
إنكم في الواقع إذ تنكرون السُّـنَّـة تنكرون كتاب الله لا محالة ، وإنكار السُّـنَّـة دعوة خبيثة لم يجد أصحابها طلاء يطلونها به إلا دعواهم أنهم يؤمنون بأن الله ما فرط في الكتاب من شيء وأن الكتاب تبيان لكل شيء فزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل ، زين لهم إنكارهم السُّـنَّـة بدعوى إيمانهم أن الكتاب تبيان لكل شيء ، وأن الله ما فرط فيه من شيء. فالآيتان الكريمتان (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء) ، و(ما فرطنا في الكتاب من شيء) لا تنكران السُّـنَّـة ، بل هما أساس للأخذ بالسُّـنة.
فالاكتفاء بالقرآن هو نبذ آراء الناس الخارجة عن القرآن لا نبذ السُّـنَّـة فإنها ليست شيئًا خارجًا عن القرآن ، بل هي تفصيل لما أجمل القرآن وهي مما أمر به القرآن فهل الاكتفاء بالقرآن نبذ ما أمر به القرآن؟؟ إن معنى هذا: الاكتفاء بالقرآن قراءة دون العمل به ، لأن اتخاذ السُّـنَّـة تشريعا عمل بالقرآن، والذي يقرأ القرآن ولا يعمل به مثله كمثل الحمار يحمل أسفارًا.
والطعن في الذين نقلوا السُّـنَّـة الشريفة تشكيك فيها يراد به العزوف عنها وتركها، وبذا لا يمكن تنفيذ ما ورد في القرآن من أوامر ونواه.
وأسأل هؤلاء المنكرين للسنة: هل هم يصلون؟! وما كيفية صلاتهم إن كانوا يصلون؟ أهم يؤمنون أن الله فرض خمس صلوات في اليوم والليلة. وأن الصبح ركعتان وكلا من الظهر والعصر والعشاء أربع ركعات والمغرب ثلاث ركعات؟؟ من أين علموا هذا – إن كانوا يصلون – إلا من السُّـنَّـة ؟!! وإن كانوا لا يؤمنون بهذا أو لا يصلون فما أبعدهم عن الإسلام!!
إنه يلزمهم – إذ ينكرون السُّـنَّـة – ألا يؤمنوا أن الصلوات خمس… ويلزمهم إذا آمنوا أن الصلوات خمس أن يؤمنوا بالسُّـنة…
ولست في احتياج أن أضرب أمثالا كنظام الأساتذة والمعيدين في الجامعات، ونظام الدستور والقانون، فالدستور إجمال للقانون، والقانون تفصيل الدستور… لست في احتياج أن أضرب هذه الأمثال – ولله المثل الأعلى – إلا لأبين عدم استساغة أي نظام حتى النظم الأرضية لمنطق منكري السُّـنَّـة ، ومع ذلك فهم لا يقفون هذا الموقف إلا من الدين.
وكما يحيل القرآن على السُّـنَّـة يحيل على العلم بصفة الشيء ، وقد تكون المسميات كثيرة لما تطبق عليه الصفة المحيل القرآن على العلم بها فاسم (التبغ) ليس في القرآن ولكن صفته في القرآن وهي صفة تجمعه وتجمع غيره مما ضرره غالب على منفعته كالحشيش والأفيون والسم ، فالسم قاتل للجراثيم الضارة داخل جسم الإنسان ، ولكنه قاتل للإنسان نفسه ، فضرره غالب على نفعه فهو خبيث ومحرم حرم بقوله تعالى: (ويحرم عليهم الخبائث).
ولا ضرورة لأن يذكر اسم السم ولكن يكفي ذكر الصفة الشاملة له ولغيره مما غلب ضرره على منفعته وهي صفة (الخبائث).
فإذا سأل سائل فقال: إن التبغ ليس حرامًا لأنه لم يذكر في القرآن فقل له أخبيث هو أم طيب؟
فإن كانت فطرته لا زالت سليمة فسيقول: خبيث. فقل له: قال تعالى: (ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث).
وإن كابر فهو من نوع منكري السُّـنَّـة الذين ينكرون أيضًا ما ورد فيها من تحريم كل مسكر ومفتر ، ويعد هذا التحريم واردًا في القرآن أيضًا بطريق غير مباشر هو طريق إحالة القرآن على السُّـنَّـة في أكثر من آية من آياته. وما بقى إلا أن ينكروا حرمة شرب الخمر، ويزعموا أن الله حرم الألف واللام والخاء والميم والراء!! أي حرم لفظ الخمر.
كفى خبطًا أيها المتخبطون.
عبدالمنعم محمد حلمي عبدالرحمن
الإجا