كلمة حق أريد بها باطل
{قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} الكهف
بقلم الشيخ/ محمد أبو علو
رئيس فرع أنصار السنة بدمنهور
نشرت جريدة الأخبار الصادرة بتاريخ 16/ 3/ 1976 فى باب (ما قل ودل) حديثا حول شرعية إقامة الأضرحة في المساجد وذكرت فيه أن أبا بصير الذي أسلم عام صلح الحديبية أقام له الصحابة عند موته مسجدا على قبره فلما بلغ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أقرهم عليه – كما استشهد الكاتب على شرعية إقامة الأضرحة في المساجد بقول الله تعالى حكاية عن أهل الكهف {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} وذكر كذلك أنه عند وفاة النبي صلى الله عليه وسلم دفن في حجرته التي أصبحت تتوسط المسجد النبوي ثم دفن معه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
وقد قالت الجريدة (وهكذا كان السابقون يتخذون المساجد على الصالحين ولم يرد في القرآن ما يفيد حرمتها).
ونحب أن نبين لجريدة الأخبار ولكل من التبس عليه هذا الموضوع الأمور الآتية:
أولا: بالنسبة لأبي بصير فليس هناك أي رواية صحيحة تدل على أن الناس قد اتخذوا على قبره مسجدا وأقرهم على ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل أن الأحاديث الصحيحة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تنهى نهيا قاطعا عن هذا الأمر وتبين أن اللعنة تحيق بالذين يتخذون المساجد على القبور وإليكم بعض هذه الأحاديث على سبيل المثال لا الحصر:
1- عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم (تعني مرض الموت) طفق يطرح خميصة له على وجهه فإذا اغتم بها كشفها عن وجه فقال وهو كذلك: لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد يحذر ما صنعوا. (البخاري ومسلم).
2- عن جندب قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله قد اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا ولو كنت متخذا من أمتي خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا إلا وأن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك. (مسلم).
3- عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها مارية فذكرت له ما رأت فيها من الصور فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجدا وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله. (البخاري ومسلم)
4- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج. (مسند أحمد وسنن النسائي وأبو داود والترمذي).
واستنادا إلى هذه الأحاديث وغيرها كثير وهى على أعلى درجة من الصحة – لا يعقل أبدا أن يقر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ الناس مسجدا على قبر أبي بصير أو غيره من القبور.
ثانيا: بالنسبة للآية الكريمة في سورة الكهف {قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا} فهذه الآية الكريمة لا تبيح اتخاذ المساجد على القبور لأننا لو تتبعنا قصة أهل الكهف لعلمنا من سياق الآية الكريمة أنه بعد أن بعثهم الله من نومهم الطويل الذي امتد تسعا وثلاثمائة عام وعلم الناس (إن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها) انقسم الناس بعد موت أهل الكهف إلى فريقين: الفريق الأول وكل الأمر إلى الله عز وجل كما في قوله تعالى: {ربهم أعلم بهم} أما الفريق الآخر هو فريق أصحاب الجاه والسلطان أي الذين غلبوا على أمرهم فهم الذين قالوا {لنتخذن عليهم مسجدا} وعلى هذا يكون الفريق الأول هو فريق المؤمنين وليس الفريق الآخر، وانظر أيها الأخ الفاضل إلى سياق الآية الكريمة كي يتأكد لك هذا المعنى (وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}.
ثالثا: بالنسبة لموضوع دفن النبي صلى الله عليه وسلم في حجرته التي أصبحت تتوسط المسجد النبوي فإن حجرة السيدة عائشة التي دفن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفن معه فيها بعد ذلك صاحباه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما لم تكن من حدود المسجد ولكنها خارجة عنه- وعلى هذا فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد دفن في حجرة وليس في مسجد وظل وضع القبر هكذا خارج المسجد حتى زمن خلافة الوليد بن عبد الملك بن مروان الذي قام بهدم المسجد وبنائه من جديد بعد أن أدخل فيه حجرات زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد شرائها من الورثة وكان ذلك في عام 88 هجرية حيث استمر البناء ثلاثة أعوام – ولا يعد ذلك دليلا على شرعية بناء الأضرحة في المساجد.
ومما هو جدير بالذكر أن المسجد النبوي بالمدينة له وضعه الخاص الذي بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث أن الصلاة فيه بألف صلاة بالنسبة لما سواه (عدا المسجد الحرام والمسج