كلمة التحرير
الحمدالله والصلاة والسلام على رسول الله (وبعد)
لقد مضت عدة أسابيع على الأخبارالتى شدت انتباه الناس، أخبار جماعة التكفير والهجرة، التى بدأت بجريمة خطف وقتل فضيلة الشيخ محمد حسين الذهبي رحمه اللَّه. ولا يجب أن تمر هذه الأحداث دون الوقوف عندها وقفة طويلة، لنتعرف على الأسباب التي تؤدي إلى ظهور هذه الجماعات المتطرفة، ووسائل العلاج الكفيلة بعدم خروج جماعات أخرى على نمطها.
إن وسائل الإعلام في بلدنا- في الغالب- لم تتناول موضوع جماعة التكفير والهجرة إلا من زاوية واحدة، هي تسليط الضوء على جرائمها، وهذا وإن كان أمرًا حسنًا إلا أنه ليس هو العلاج أو الوسيلة التي تنفع الشباب الذي قد يتعاطف فكريًا مع هذه الجماعات، بل كان الواجب مناقشة الحجة بالحجة، والدليل بالدليل، وذلك بإفساح المجال للعلماء والمتخصصين لبيان جوهر الإسلام وما يدعو إليه، بدلاً من أن تقوم وسائل الإعلام بالتشنيع والطعن في أمور هي من الإسلام حقًا كحجاب المرأة وإعفاء اللحى وغيرذلك مما هاجمته الصحافة مثلاً في كتاباتها ورسوماتها الكاريكاتيرية ضمن حملة تسليط الأضواء على جرائم التكفير والهجرة.
* * *
وقد لا يتسع المجال في مثل هذه الكلمة للرد على فكر هذه الجماعة ومناقشته بالتفصيل، ولكن ذلك لا يمنع من أن نطرح على شبابنا- بصفة خاصة- بعض الأسئلة، لعلها تبين لهم مدى بعد هذه الجماعة عن الإسلام:
إذا كان مرتكب الكبيرة كافر- كما تقول هذه الجماعة- فما معنى قول اللَّه تعالى: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا}؟ وما معنى مئات الآيات والأحاديث التي جاءت حول هذا المعنى مما لا يتسع المقام لذكره؟
2- هل كلمة ( الكفر ) لا تستعمل إلا بمعنى الخروج من ملة المسلمين؟ إذا كان الأمر كذلك فما معنى كفر النعمة وكفر الإحسان وكفر العشير؟
3- هل من حق واحد أو جماعة من الناس أن تنصب نفسها قاضية على المجتمع، تحكم بإيمان هذا وبكفر ذاك، ثم تنفذ أحكامها بالإعدام على الكفار حسب قوانينها ونظرياتها؟ وفي أي شرع هذا؟
4- هل سمعنا أن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أرسل مجموعة من المؤمنين لخطف واحد من المشركين مثل أبي جهل أو أبي لهب أو الوليد بن المغيرة… أو غيرهم، ثم حبسه رهينة حتى ينفذ المشركون مطالب الرسول صلى الله عليه وسلم وإلا قتل الرهينة؟
إذا كان الشيخ الذهبي كافرًا أو مشركًا، ألم يقل اللَّه عز وجل {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ}؟ ألم يقل رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم إن امرأة عذبت في هرة حبستها حتى ماتت جوعًا، فلا هي أطعمتها ولا تركتها تأكل خشاش الأرض؟ عذبت في هرة وليس في عالم من علماء المسلمين.. !
– وكما قلت من قبل فإن هذه الكلمة لا تتسع لمناقشة فكر هذه الجماعة والرد عليه، ولكنها مجرد خواطر تجول في النفس.
* * *
ولكن…. لماذا قامت مثل هذه الجماعة؟ وما هي العوامل التي ساعدت على قيامها؟ ذلك هو السؤال الذي نحتاج إلى الإجابة عليه.
إن الناظر إلى أحوال هذا المجتمع يجد عوامل الهدم أكبر من عوامل البناء، أكبر وأقوى وأعتى، وسائل الإعلام مثلاً: صحافة تثير سخط كل مؤمن بربه ودينه، في نفس الصفحة التي نشرت فيها صور جثة الشيخ الذهبي في إحدى الجرائد اليومية نجد إعلانًا كبيرًا عن ملهى ليلي من ملاهي شارع الهرم، والإعلان ليس بالكلمات وحدها ولكن بصور الراقصات شبه العاريات، يا للأسف ! بل يا للعار ! في نفس اللحظة التي تتمزق فيها القلوب لجريمة قتل الشيخ الذهبي، وفي نفس الصفحة، وليس في صفحة غيرها، نرى هذا الإعلان، كأن الأمر متعمدٌ لإثارة المشاعر.
وسخافات الصحافة كثيرة. وكذلك الإذاعات المسموعة أو المرئية، لا تذيع علينا إلا الغثاء، ولو عقدنا مقارنة للبرامج الدينية أو التثقيفية إلى باقي البرامج لكانت النتيجة مفزعة.
أما عن السينما والمسرح فليست بأفضل من الصحافة أو الإذاعة، فإنها لا تعرض إلا ما يفسد أخلاق الشباب والفتيات حيث أصبحت نموذجًا للفسق والفجور.
وغير ذلك كثير وكثير من عوامل الهدم، فأين هي عوامل البناء؟ وهل يكون البناء إلا عن طريق الدين؟
أين التوعية الدينية للشباب؟ إن كثيرًا من خريجي الجامعات يتخرجون في جامعاتهم دون أن يعرفوا آية واحدة من كتاب اللَّه تعالى أو حديثًا لرسول اللَّه صلى الله عليه وسلم ، ولا أكون مبالغًا إذا قلت إن هذه الكثرة لا تحسن قراءة فاتحة الكتاب.
أين الكتب التي تعرض قضايا الإسلام لتساهم في تثقيف الشباب؟ وحتى لو وجدت بعض هذه المؤلفات فأكثرها قد امتلأ بالأباطيل والخرافات باسم الدين، الدين براء من ذلك.
ومن قلب هذا التمزق: صحافة هابطة، إذاعات مسمومة، سينما داعرة، محاربة للقيم