بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإذا كان الله عز وجل قد فضل بعض أنبيائه ورسله على البعض الآخر حيث يقول ((تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ)) [البقرة: 253] وكما في قوله تعالى ((ِ وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ)) [الإسراء: 55] فإنه سبحانه قد فضل بعض الأماكن على بعضها الآخر، حيث فضلت مكة على سائر البقاع الأخرى، وفضل بعض الليالي كليلة القدر على البعض الآخر، وكذلك فضل بعض الأيام على غيرها.
ومن هذه الأيام التي فضلها الله سبحانه الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، فقد ورد فيها أن رسول الله ? قال (ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام العشر ) قيل ولا الجهاد في سبيل الله يا رسول الله؟ قال (ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يعد من ذلك بشيء).
في هذه الأيام يلتقي المسلمون من بقاع الأرض عند بيت الله الحرام وفي منى وعلى عرفة، يجتمعون في صعيد واحد، ممتثلين أمر الله تعالى ((وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)) [آل عمران:97]يهتفون من أعماق قلوبهم: لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.
في هذا المؤتمر العالمي الكبير، يجتمع المسلمون ((لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ)) [الحج: 28] فهذا الاجتماع الكبير في مكان واحد وفي وقت واحد، من أهدافه أن تظهر قوة المسلمين أمام غيرهم. فإذا ما ظهر المسلمون أمام العالم اليوم بضعفهم وتخاذلهم فليس العيب في دينهم ولا فيما شرع لهم، وإنما العيب من عندهم وفي أنفسهم.
ماذا لو انتهز المسلمون فرصة اجتماعهم في هذا المؤتمر الكبير فتذكروا واعتبروا:
تذكروا كفاح أبيهم إبراهيم عليه السلام، وامتثاله أمر ربه في ترك ولده إسماعيل وأمه هاجر في تلك المنطقة النائية التي لا زرع فيها ولا ماء.
تذكروا تلك الاختبارات التي ابتلى بها إبراهيم عليه السلام فنجح فيها جميعاً، ومنها اختباره بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، وكيف قدم إسماعيل حياته راضياً، امتثالاً لأمر الله وطاعة له.
تذكروا – من إيحاء هذه الأماكن – جهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر الدعوة، وما لاقاه من شقاق، وما وضع أمامه من عقبات، تخطاها بفضل الله تعالى في سبيل هذه الغاية لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا السفلى.
تذكروا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في خطبة الوداع التي قرر فيها حقوق الإنسان، وبين حرمة الدماء والأموال والأعراض.
ليتهم تذكروا هذا في مؤتمرهم الكبير.
وليتهم يعتبرون عندما ينظرون إلى واقعهم المر الأليم، وما هم فيه من ضعف وفرقة، مكنت منهم أعداءهم.
لو أنهم اعتبروا.. لوجدوا أنهم لم يصلوا إلى ما هم فيه الآن إلا بسبب اختلافهم حول المفاهيم الصحيحة لهذا الدين، فتفرقوا شيعاً وأحزاباً، هذه الفرق التي بين رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها جميعاً في النار إلا فرقة واحدة، هي التي كانت على ما كان عليه النبي صلوات الله وسلامه عليه وأصحابه رضي الله عنهم لو أنهم اعتبروا بما أُنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عرفة في حجة الوداع من قول الله تبارك وتعالى ((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا)) [المائدة: 3] وعلموا أن الدين قد اكتمل قبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكل ما أزيد عليه بعد ذلك فليس بدين.
لو اعتبروا بذلك لالتفوا حول الكتاب والسنة، وتمسكوا بهما، وعضوا عليهما بالنواجذ، ونبذوا كل فكر دخيل.
أما أن يظل المسلمون مختلفين حول العقيدة: هذا شيعي يعتبر أبا بكر وعمر وأكثر الصحابة كفاراً.. وهذا علوي يؤله علياً رضى الله عنه ويعبده، وهذا صوفي يتخذ من دون الله الأنداد والوسطاء.. إذا ظل المسلمون هكذا، فلا فلاح لهم، ولا يمكن أن تتلاقى أيديهم فضلاً عن قلوبهم، بل ستبقى فرقتهم وانشقاقهم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنة نبيه).
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه..
رئيس التحرير