بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
الشباب … والقدوة الحسنة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد..
لا شك أن الشباب هم عصب الأمة وقلبها النابض، فقيمة أية أمة من الأمم إنما هي في قيمة شبابها، وبمقدار ما عليه الشباب من قيم ومبادئ تكون الأمة، إما إلى رقي وتقدم، وإما إلى انحدار وضياع.
من هنا كانت عودة شبابنا إلى الله، واتجاههم إلى الدين، بشيراً بالخير المنتظر، فقد مرت علينا فترة من الزمن كانت تيارات الإلحاد هي السائدة، وكانت هي التي تعلو فوق السطح، ولكنها – والحمد لله – كانت كالزبد الذي يعلو صفحة الماء النقي الصافي، وكما يقول الله تعالى)) فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ)) [الرعد: 17] وهكذا كانت عودة شبابنا إلى الله، عودة إلى الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها.
ومما يزيد استبشارنا بالخير أن هذه النهضة الشبابية الدينية ملتزمة – إلى حد كبير – بالكتاب والسنة وبالنهج القويم الذي كان عليه الصالحون من سلف هذه الأمة.
ولكن.. هناك عقبات في طريق هذه الصحوة.. أهمها أن الشباب لا يجد القدوة الحسنة التي يبادلها الثقة من علمائنا، وفي هذا من الخطر ما فيه، فلو جنح بعض الشباب بفكره عن هذا النهج الذي كان عليه سلفنا الصالح.. فأين الموجه الذي يثق به الشباب ليوضح ما يكون قد التبس على بعضهم من أمور..؟
وليت الأمر يقف عند حد افتقاد القدوة والموجه، بل الأكثر من ذلك أن يحاول البعض التوجيه والإرشاد، فإذا بهم ينفرون الشباب – بل والشيوخ – منهم ومن فكرهم.
مثال ذلك: أستاذ بإحدى كليات الآداب يتحدث عن الدين والشباب، فإذا به يقول «إن الدين سلاح ذو حدين، فإذا لم يفهم الشباب الدين فهماً حقيقياً فمن الممكن أن يؤدي ذلك إلى نوع من سوء الفهم والانفصال عن الحياة الاجتماعية والاتجاه إلى ما يمكن أن يوصف بأنه جوانب سلبية. وهناك أيضاً الجانب الإيجابي مع الاعتدال وعدم التطرف، والتشبث بأشياء شكلية لا تؤكد معنى الدين لا في قليل ولا كثير، مثل التشبث بإطلاق اللحى، وهذه ليست من الدين لا في كثير ولا قليل، وإن كانت سنة فهي سنة غير مؤكدة. وهناك ما يجب الحرص عليه فيجب الاعتدال وعدم التطرف» انتهى كلام الأستاذ.
وهكذا يأتي هذا الأستاذ الجامعي ليوجه الشباب فإذا به يفتي في أمر من أمور الدين بكلام يخالف ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مخالفة صريحة، ولا يكتفي بفتواه المردودة عليه، بل يعتبر إعفاء اللحية نوعاً من التطرف.
وهذا يذكرني أيضاً بشيخ كان وزيراً سابقاً للأوقاف منذ عهد قريب قال في لقاء مع الشباب أن ارتداء الجلباب تطرف، وإن ارتداء الفتيات للنقاب تطرف.. بينما لم نسمعه يتكلم كلمة واحدة عن الخلاعة والميوعة وعدم الالتزام بالسلوك الإسلامي بصفة عامة.
إذا كان هناك تطرف في فكر بعض الشباب، فالوسيلة إلى علاج ذلك هي الحوار العلمي الهادئ، أما إطلاق كلمة التطرف على بعض المظاهر التي أمر بها الدين فعلاً كإعفاء اللحى فإن ذلك يزيد من الهوة بين الطرفين.. تلك الهوة التي كان مفروضاً ألا تحدث .. بل كان الواجب أن يحل محلها الوئام والتلاقي، حتى لا تتشتت جهود الدعاة والمصلحين وتضيع هباء منثوراً.
لا بد أن يعلم كل من يتصدى للدعوة إلى الله أن الله سبحانه رفع من شأن العلماء حيث يقول: يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ)) [المجادلة:11] وهذا الرفع لدرجات العلماء لأنهم أكثر الناس خشية لله كما يقول سبحانه «إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ)) [فاطر: 28] وهذا بالتالي يتطلب أن يعتبر كل منهم نفسه قدوة حسنة لغيره، يستجيب لله في كل كبيرة وصغيرة، فيطبق تعاليم الإسلام على نفسه وعلى أهله قبل أن ينصح الناس ويأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر.. حينئذٍ يسمع الناس لكلامه. أما إن أمر ونهى دون أن يعمل هو بهذا الأمر والنهي فإن أحداً لن يستجيب له، لأن كلامه إن وصل إلى آذان الناس فلن يتجاوزها إلى قلوبهم.
وإذا ما فقدنا القدوة الحسنة في مجتمعنا، ثم أخذنا نوجه اللوم لشبابنا بحدة أنهم لا يفهمون الدين فهماً صحيحاً، وسقنا الأدلة على ذلك، فإذا هي تدمغنا نحن أيضاً بأننا لا نفهم الدين فهماً صحيحاً.. فكيف يكون حال شبابنا؟ هل يبقى على ثقته في هؤلاء الموجهين إن كانت هناك ثقة فيهم أصلاً؟ أم أنه يفقد هذه الثقة نهائياً؟ مجرد سؤال.
وسؤال آخر أريد أن أسأله: لماذا تحملون على لحى الشباب المتدين، بينما تسعدكم لحى الهيبز والخنافس؟ أيضاً.. مجرد سؤال.
وصل اللهم وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
رئيس التحرير