بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
أيها العلماء الرسميون.. أين دليلكم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هناك سؤال يجب أن يُطرح دائماً قبل معالجة أية قضية من القضايا الدينية. هذا السؤال هو: إذا اختلف المسلمون في مسألة ما، فما هو واجب الدعاة إلى الله؟ هل يظهرون الحق للناس أم يكتمونه بحجة عدم إثارة البلبلة؟
وسؤال آخر: إذا اختلف الدعاة إلى الله في قضية من هذه القضايا، ووجد الحكم في هذا الاختلاف في الكتاب والسنة، فهل يجوز الرجوع إلى مصدر آخر التماساً للحكم؟ أم يكفينا الكتاب والسنة؟
هذه الأسئلة أوجهها قبل مناقشة القضية.. وأترك الإجابة عليها للقارئ، وأدخل في الموضوع.
لقد اعتاد المسلمون أن يحتفلوا بمناسبات معينة في مواعيد محددة يربطونها بهذه المناسبات، كاحتفالهم بذكرى الإسراء والمعراج في السابع والعشرين من رجب، واحتفالهم بذكرى تحويل القبلة في النصف من شعبان… وهكذا.
وكل جيل يتوارث هذه العادات – التي يربطونها بالدين – عن الجيل الذي قبله، حتى أصبح الناس يعتقدون أن هذه الاحتفالات تقربهم إلى الله، وتزيد من رصيد حسناتهم.
ولو بحثنا في المصادر الصحيحة لهذا الدين(القرآن والسنة الصحيحة) لرأينا أنه لم يأت دليل واحد يحدد هذه التواريخ التي يحتفل فيها الناس بهذه المناسبات.
وحتى إذا ثبت تحديد التاريخ.. هل تجوز هذه الاحتفالات؟ ونسأل سؤالاً آخر: هل احتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم بذكرى الإسراء والمعراج أو بذكرى تحويل القبلة أو بأي شيء من هذا؟ هل احتفل به أحد من الصحابة رضوان الله عليهم؟
لو كان تعظيم هذه الأيام والليالي من الإسلام لما كتمه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلو كان الاحتفال بهذه المناسبات مشروعاً لبينه النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولكان الصحابة – رضوان الله عليهم – قد نقلوه إلينا، فهم لم يفرطوا في شيء من الدين.
نحن نؤمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك أمراً يقرب الناس من الجنة ويبعدهم عن النار إلا أمرهم به، وما ترك أمراً يقرب الناس من النار ويبعدهم عن الجنة إلا نهاهم عنه، فطالما أنه لم يثبت عنه ? تحديد لهذه التواريخ، ولا الأمر بالاحتفال بها، فإن هذه الاحتفالات تعد من باب الابتداع في الدين، الذي نهانا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث يقول – كما جاء في الصحيحين – «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد» وفي رواية لمسلم «من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد» وكما يقول صلوات الله وسلامه عليه «شر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة» وكما يقول أيضاً «.. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
وأمام هذه المبادئ فإن جماعة أنصار السنة المحمدية التي تصدر هذه المجلة (التوحيد) تعمل دائماً عن طريق الكلمة المسموعة من فوق منابر مساجدها، والمقروءة على صفحات مجلتها – تعمل على إظهار هذه الحقائق التي خفيت على أكثر المسلمين، وتحاول دائماً أن تسلط الأضواء على ما ابتدعه الناس في كل مناسبة، حتى تظهر الحقيقة واضحة جلية.
وعلى هذا نشرنا مقالاً في باب السنة في عدد شهر رجب الماضي لفضيلة الشيخ محمد علي عبد الرحيم تحدث فيه عن شهر رجب وما ابتدع فيه، ونشرنا فيه كثيراً من الأحاديث المكذوبة عن فضل شهر رجب لنحذر الناس منها…
وإذا بجريدة الأخبار تطلع علينا يوم الجمعة 22 رجب 1400 الموافق 6 يونيه 1980 بمقال كتبه مفتش عام وعظ محافظة بني سويف بعنوان (ماذا يصنع القارئ وسط هذه التناقضات) يعلق فيه على ما جاء في مجلة التوحيد قائلاً «إن الإشارة إلى عدم قيام دليل على تحديد ليلة الإسراء ولا على الشهر الذي حدث فيه وإن هذا حدس وتخمين يثير نوعاً من البلبلة ويلقي ظلالاً من الشك، لا تقف عند حد تحديد الليلة وتحديد الشهر، بل تتجاوزها إلى إنكار هذا الحادث، وكما نعلم أن الإسراء حدث ومنكره ليس بمؤمن، وقد قرر جمهور العلماء أن الإسراء حدث في ليلة السابع والعشرين من رجب كما قال فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف مفتي جمهورية مصر الأسبق».
ثم يقول مفتش عام الوعظ «فلنبتعد عن الآراء الخلافية – حتى لا ينتهز البعض هذه الفرصة ويغمس قلمه في الأحداث الإسلامية والأحاديث النبوية بالتصويب والتصحيح والإنكار».
وأقول لفضيلة مفتش عام الوعظ: فرق كبير بين إنكار التاريخ الذي تنسبون إليه الإسراء والمعراج وبين إنكار المعجزة نفسها، نحن معكم أن من ينكر الإسراء كافر لا شك في ذلك… ولكن ليست هذه هي القضية، ولن يخطر ببال مسلم أن ينكر الإسراء.. ولكن القضية هي: من أين أتيتم بهذه التواريخ وبشرعية الاحتفال بهذه الذكرى؟
أما قولك – أو قول فضيلة المفتي الأسبق – بأن جمهور العلماء قرر أن الإسراء حدث في ليلة السابع والعشرين من رجب فنرد عليه بأن المسألة ليست