بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
مجتمع حضاري.. أم وثني؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فماذا يستطيع المسلم الذي أدرك معنى (لا إله إلا الله) أن يفعل أو يقول عندما يرى أحط دركات الوثنية توصف بأنها قمة الحضارة؟ إن أبلغ الكلمات لا تستطيع أن تعبر عن الحسرة التي تملأ القلب لهذه المفاهيم والمعتقدات التي رسخت في قلوب أكثر الناس، حتى أصبحوا يباهون بهذه الوثنية ويفاخرون بها.
لقد كتب موسى صبري في جريدة الأخبار الصادرة في 27 جمادى الأولى 1400 الموافق 13 إبريل 1980 عما فعله الصليبيين في أمريكا من قيامهم بنشر إعلانات دعائية ومنشورات عن اضطهاد المسلمين المزعوم للنصارى في مصر. وجاء فيما كتبه:
((إننا نعيش في مجتمع حضاري، يتبرك فيه المسيحيون بزيارة الأضرحة الإسلامية، ويقدمون إليها النذور كما يفعل المسلمون تماماً، ويتبرك فيه المسلمون بزيارة كنيسة السيدة العذراء، وسانت تريز.. وغيرها.. ويقدمون إليها النذور كما يفعل المسيحيون تماماً..)).
وليس هذا مفهوم موسى صبري وحده، ولكن كثيراً من المسلمين يظنون أن قمة الحضارة – بل قمة التدين – أن يتمسحوا ويتبركوا بالأضرحة أو الكنائس، وأن يقدموا إليها النذور.
ونحن نقول لمن يعتقدون هذا من المسلمين بصفة خاصة أن الإسلام يعتبر ذلك وثنية وشركاً بالله. وقد تسربت إلينا هذه الوثنية عن الصليبية، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أن أم سلمة رضي الله عنها ذكرت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتها بأرض الحبشة يُقال لها مارية فذكرت له ما رأت فيها من الصور. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أولئك قوم إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور. أولئك شرار الخلق عند الله.
* * *
إن الإسلام لا يعرف شيئاً اسمه الأضرحة، بل قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن دفن الموتى في أماكن العبادة سداً لذرائع الفساد وإغلاقاً لأبواب الفتنة. فقد قال صلى الله عليه وسلم:
ـ ((قاتل الله اليهود، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
ـ ((لعن الله اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد)).
ـ إن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد. ألا فلا تتخذوا القبور مساجد. إني أنهاكم عن ذلك)).
ـ ((إن من شرار الخلق عند الله من تدركهم الساعة وهم أحياء والذين يتخذون على القبور مساجد)).
ـ وغير ذلك من الأحاديث.
ويعلق الشيخ محمد الغزالي – جزاه الله خيراً – فيقول:
((والخبراء بحقائق الأديان وطبائع النفوس يعرفون وجه الحكمة فيما أمر به الله ورسوله، من تحريم اتخاذ القبور مساجد.
إن رجاء البركة أول ما يذكره الخارجون على هذه النصوص أو المحرفون لها. لكن هذه البركة المزعومة سرعان ما تتحول إلى تقديس للهالكين واتجاه إليهم بالأدعية والنذور، واستصراخ بهم في الأزمات والنوائب)) ثم يقول: ((فإذا لم يكن الأمر شركاً محضاً، فهو مزلقة إليه مهما كابر المعاندون)).
وهكذا كان يتصرف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فهذا هو المعرور بن سويد يروي: صليت مع عمر بن الخطاب – في طريق مكة – صلاة الصبح، فقرأ فيها: ((أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيل)) و((لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ)) ثم رأى الناس يذهبون مذاهب – بعد انصرافهم من الصلاة – فقال: أين يذهب هؤلاء؟ فقيل: يا أمير المؤمنين، مسجد صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهم يصلون فيه! فقال: إنما هلك من كان قبلكم بمثل هذا، كانوا يتبعون آثار أنبيائهم ويتخذونها كنائس وبيعاً..! فمن أدركته الصلاة في هذا المساجد فليصل. ومن لا، فليمض، ولا يتعمدها.
بل وهذه شجرة الرضوان التي بايع المؤمنون تحتها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والتي ذكرها الله عز وجل في قوله تعالى: ((لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)) [الفتح: 18].
عندما رأى عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن الناس يصلون عندها التماساً للبركة مما يفتح الباب أمام الخرافة والوثنية، لما رأى عمر ذلك عاجلها بقطعها واجتثها من جذورها قبل أن تفسد عقائد المسلمين.
إن الإسلام عندما ينهى عن دفن الموتى في أماكن العبادة فإنه يسد الطريق أمام الشرك بالله حتى لا يتسلل إلى قلوب المسلمين.. فها نهن نرى في مصر وغيرها أنه كلما كبر حجم الضريح وعلت قبته زاد التجاء الناس إليه ودعاؤهم له من دون الله، واستغاثتهم به لكشف الضر عنهم أو لجلب النفع لهم.
وقد جعل العامة لهؤلاء الموتى تخصصات معينة: الشافعي رحمه الله ترسل إليه الالتماسات المكتوبة ليتوسط لأصحابها لدى المصالح الحكومية. زينب رضي الله عنها لشكاوى الناس بعضهم من بعض. أبو السعود للمرأة العقيم التي تريد ولداً. أولاد عنان لمعا