بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
الدعوة لتحديد النسل عدوان على الإسلام
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
هذه الضجة الإعلانية التي قامت بها وسائل الإعلام من صحافة وإذاعة وتليفزيون منذ أسابيع، والتي أنفقت عليها عشرات أو مئات الآلاف من الجنيهات للدعوة إلى تحديد النسل كخطة قومية – هذه الضجة الإعلامية تدل على أن الذين يفكرون ويخططون لهذه الأمور يستبعدون الإسلام من تفكيرهم، فقد جرفتهم المادية في تيارها عندما انفصلوا عن دين الله، ودانوا بالولاء الأعمى لسادتهم الذين تربوا على أيديهم في الشرق أو الغرب، حتى لقنوهم أن الإسلام يعني التخلف والرجعية والتأخر. وعلى هذا فإذا ما ظهرت قضية من القضايا بحثوا لها عن مختلف الحلول بعد أن يستبعدوا الإسلام عن ساحة هذه القضية، بل قد يعملون على استصدار الفتاوى من بعض المحسوبين على علماء الإسلام حتى تخدم فكرهم هذا.
فلو نظرنا في دين الله عز وجل عن مسألة تحديد النسل لوجدنا أن الإسلام يحث على تكثير النسل. فلا شك أن حياة الأمة بقوتها، وقوة الأمة ترجع إلى تزايد النسل وقوته، ولن يكون العمران وعمارة الكون إلا بكثرة النسل والتوالد.
ورغم أن الزواج أمر طبعي فطر الله الناس جميعاً على حبه، فإن القرآن الكريم يرغب فيه حيث يقول الله تعالى ممتناً على عباده
((وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ)) [النحل: 72] وكما يقول سبحانه أيضاً ((يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً 1))[النساء:1] كما يبين ربنا عز وجل مكانة البنين في هذه الحياة فيقول ((الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا)) [الكهف: 46].
وكذلك فإن الأحاديث النبوية تحث على الزواج للتناسل حيث يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم (تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة) ويقول أيضاً (سوداء ولود خير من حسناء عقيم) ويقول كذلك (من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا). وبالطبع فإن الأمة التي يباهي بها رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمم يوم القيامة ليست الأمة الضعيفة، بل القوية في دينها ودنياها، فإن الإسلام لا تعجبه الكثرة الهزيلة ولا يقيم لها وزناً، بل يحتقرها ويمقتها، مصداق ذلك ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال (توشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الآكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذٍ؟ قال: لا . بل أنتم كثيرون، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن. قال قائل: وما الوهن يا رسول الله؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت).
* * *
إن زيادة السكان في أي بلد ليس أمراً غريباً، بل هو الأصل والأساس، وإلا اندثر أهل هذا البلد. ولكن يحلو لنا أن نضخم الأمر أكثر من اللازم فنسميه ((انفجاراً)) سكانياً، وكأنه قنبلة ذرية أو صاروخ نووي، ولم نجد أمامنا إلا حلاً واحداً هو الدعوة إلى تحديد النسل خوفاً من عدم كفاية الأرزاق.
ولقد نسينا – من شدة ما جرفنا تيار المادية – أن الله عندما خلق هذه الأرض قدر فيها أقواتها، ونسينا كذلك أن المسألة ليست زيادة الرزق أو نقصه، أو كثرة الأولاد أو قلتهم، ولكن هناك شيئاً اسمه ((البركة )) جاء في دين الله ولا يعترف به الماديون. وهذه البركة في الرزق لا تطلب من المرء إلا أن يلتزم بشرع الله أولاً ثم الأخذ في أسباب طلب الرزق بالسعي. يقول الله تعالى ((
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ )) [الأعراف: 96] وقد تكون هذه البركات على مستوى الأفراد وعلى مستوى الأمم كذلك. والأمثلة كثيرة يكفي أن أضرب منها مثلاً أو مثلين: فقد تكون البركة متمثلة في حفظ الله لمزروعاتنا من الآفات، فكم أنفقنا من الأموال للقضاء على دودة القطن، وكم قضت العوامل الجوية من حر أو برد على بعض مزروعاتنا كالخضروات… وقد تكون البركة في الرزق متمثلة في توفيق الله لنا في استخراج البترول والمعادن من أراضينا بأقل التكاليف… وكما قلت فالأمثلة كثيرة.
والله سبحانه لم يشترط علينا – لكي يفتح علينا البركات من السماء والأرض – إلا الإيمان والتقوى ((وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى ءَامَنُوا وَاتَّقَوْا…)) والإيمان والتقوى يعني أن يلتزم الإنسان بشرع الله، يأتمر بأمره، وينتهي بنهيه، يكون دين الله بالنسبة له منهج عمل وخطة حياة، ليس ديناً محصوراً بين جدران المساجد فحسب، ولا مكتوباً على الورق أنه دين الدولة الرسمي فحسب، بل لا بد أن يكون الدين – كما أراده الله – منظماً لكل مجالات نشاطنا.
وحتى اليهود والنصارى… لو نفذوا ما في ال