بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة التحرير
الإسلام يدعو إلى سلامة الجبهة الداخلية
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
فإن تأمين سلامة الجبهة الداخلية أمر يدعو إليه الإسلام، ولا ننسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بمجرد أن وصل المدينة مهاجراً من مكة قام بإبرام العهود والمواثيق مع اليهود حتى يضمن سلامة هذا الكيان الجديد للمسلمين في داخل المدينة، حتى إذا ما بدأ اليهود بالغدر وأظهروا عداوتهم للإسلام ورغبتهم في القضاء عليه رد عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بما يستحقونه، وطهر منهم الجزيرة العربية حماية للدعوة وضمان نجاحها ودفاعاً عن الإسلام.
والتعايش السلمي مع اليهود والنصارى في المجتمع المسلم أمر يقرره الإسلام طالما أنهم لم يعملوا من جانبهم على تقويض هذه العلاقة وإهدارها بعداوتهم للمسلمين. يقول الله تعالى ((لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ*إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ(9))[الممتحنة: (8-9)].
وهذا التعايش السلمي حدد الإسلام أبعاده تفصيلاً، حيث بين ما هو مباح في هذه العلاقة وما هو محظور، وقد أفردت كتب الفقه أبواباً مفصلة في توضيح هذه الأبعاد للعلاقة بين المسلمين وغيرهم، مما لايتسع المجال لبسط القول فيه خلال هذه الكلمات.
ومنذ أسابيع قريبة تعرضت العلاقة بين المسلمين والصليبيين في مصر لبعض الهزات التي كان من الممكن أن تؤثر على سلامة الجبهة الداخلية. ففي الوقت الذي كانت فيه دماء المسلمين تغلي وتفور لما يُنشر على صفحات جريدة الأخبار من مقالات تطعن وتشكك في الإسلام بأقلام بعض الذين توحي أسماؤهم أنهم مسلمون يكتبون ما يشكك المسلمين في أصول العقيدة ذاتها مما أدى إلى استنتاج أن هناك خطة معينة موضوعة لضرب الإسلام ومحاولة القضاء عليه – في هذا الوقت تنتشر في القاهرة ظاهرة توزيع النشرات في الميادين والشوارع والمركبات العامة. بعض هذه النشرات تدعو للصليبية بأسلوب هادئ لين خبيث، والبعض الآخر يهاجم الإسلام بأدنى دركات الوقاحة والبذاءة.
وصلتنا هذه النشرات وقرأناها، فاستولى علينا الشك في أمر هذه النشرات، وتوقعنا أن تكون هناك أيد خفية تلعب هذا الدور، فلا بد من وجود طرف ثالث غير المسلمين والنصارى هو الذي ينفذ هذا المخطط، حتى يبث بذور الفتنة بين أفراد هذا البلد، فإذا نمت الفتنة وترعرعت وآتت ثمارها في حرب أهلية بين المسلمين والنصارى في مصر انقض صاحب هذه اليد الخفية ليحقق ما يريد . ومن أكبر الاحتمالات أن يكون الشيوعيون هم أصحاب هذا الدور، فهذا دأبهم وديدنهم. أما النصارى فنحن نستبعد قيامهم بتوزيع مثل هذه النشرات، لأنهم ليسوا من الغباء والخبل لدرجة أن يعملوا على إثارة المسلمين ضدهم، فهم يعلمون أن ذلك ليس في مصلحتهم.
وأنا بهذا القول لا أدافع عن النصارى، ولا أنفي عنهم محاولاتهم التبشير بالصليبية، ولكني أتحدث عن الأسلوب. فالنصارى في مصر لهم أساليب خاصة في مواجهة الإسلام ليس من بينها توزيع المنشورات على المسلمين، فهم يؤمنون بعدم جدوى ذلك، وإنما لهم أنشطة أخرى نعلم منها:
1-محاولة تكثير عدد شعب الكنيسة في مصر بالترويج لفكرة عدم تحديد النسل – الأمر الذي وقع فيه بعض المسلمين بغباء تحت ضغط الفكر المادي العلماني – بل إن النصارى يعتقدون أن تحديد النسل يسبب غضب الرب ويمنع رحمته.
2-وفي نفس الوقت يشجعون المسلمين على ما منعوا أنفسهم منه، وذلك بإقناعهم – عن طريق الأطباء والأبحاث العلمية الموجهة – بضرورة تحديد النسل.
3-محاولة التوسع في بناء العمارات والمنازل وشراء الأراضي والمحلات … إلخ اعتقاداً بأن ذلك يساعد على سهولة تنفيذ المخطط الموضوع لتحويل مصر عن إسلامها إلى كيان صليبي متكامل.
4-استمالة بعض الشباب الجامعي عن طريق إعانته بالمراجع والأجهزة العلمية.
5-إفتتاح المدارس الخاصة التي ترغب الأولاد تدريجياً في الدين الصليبي من خلال مناهج الدراسة العادية.
6-افتتاح وتنشيط المستشفيات ودور العلاج الصليبية لممارسة التبشير من خلالها.
7-اقتراح مشاركة الكنيسة في العمل السياسي والاجتماعي والدبلوماسي على المستوى المحلي وعلى المستوى العربي والإفريقي وعلى المستوى الدولي، والاشتراك في الندوات والمؤتمرات ومتابعة الشئون الدولية وتحديد المواقف منها… إلخ (يراجع في هذا الشأن المقالات التي كتبها الدكتور بطرس بطرس غالي على صفحات جريدة الأهرام بتاريخ 1/8/1975 و 29/8/1975 والتي يستشهد فيها بما للكنائس الإفريقية والآسيوية والأوروبية والأمريكية من