كلمة التحرير
حول قانون الأحوال الشخصية الجديد
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول اللَّه ” وبعد”
فإن الإسلام عندما نظم حياة الأسرة تنظيمًا مفصلا في كتاب اللَّه عز وجل وفي سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، لم يجعل هذا التنظيم مجموعة من القوانين الصماء الجامدة، ثم يطلب من الناس أن يرجعوا إليها. وإنما قدم الإسلام التوعية الكاملة التي لو استوعبها الناس وساروا على هديها لاستقامت حياتهم الزوجية، ولما احتاجوا إلى هذا الصراع في إصدار قوانين تنظيم الأسرة التي نسميها قوانين الأحوال الشخصية.
وفي مجال هذه التوعية، وبعد أن بحث الإسلام بصفة عامة على تمسك الناس بدينهم، وعلى تربية الشباب تربية إسلامية صحيحة، يبدأ بوضع الأساس الذي تقوم عليه الحياة الزوجية، وهو السكن والمودة والرحمة: يقول تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} ثم يوضح الأساس الذي يتم بمقتضاه اختيار الزوجين، فيقول رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم للشباب المقبل على الزواج: ( تنكح المرأة لأربع: لمالها ولجمالها ولحسبها ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك ) ويقول صلوات اللَّه وسلامه عليه للآباء وأولياء البنات: ( إذا آتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، إن لا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ).
وإذا سار المجتمع على منهج الإسلام في إقامة الحياة الزوجية جاعلاً القوامة للرجل كما أوضح القرآن الكريم في قوله تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاء بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ}، واتخذت هذه التوعية الدينية دليلاً لكل مقومات هذه الحياة الزوجية، لكان مصيرها إلى النجاح، ولما تعرضت لهذه الهزات التي تجعلنا نتصارع على التقنين.
حتى الإيمان باللَّه واليوم الآخر، يقدمه اللَّه عز وجل بين يدي هذه الأسرة في الأزمات العائلية التي قد تؤدي إلى فصم عرى هذه الحياة الزوجية، فيتحدث مرة عن الزوجة، حيث يقول تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ وَلاَ يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ويتحدث مرة أخرى عن الزوج فيقول سبحانه: {وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} ويقول مرة ثالثة لولي الزوجة: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْاْ بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ}.
وهكذا تكون التوعية التي يدفعنا إليها الإسلام ويحثنا عليها حتى تستقيم حياتنا العائلية، فلو أننا اتجهنا إلى نشر الوعي الإسلامي وتعميق مفاهيم الإيمان في قلوب الناس… لكان أجدى من عشرات القوانين، فكثيرًا ما تفسد مثل هذه القوانين حياة الناس عندما يعتمدون عليها في تنظيم حياتهم، لأن المفروض أن التوعية هي طريق التقويم بينما القانون طريق التأديب للمنحرفين.
ونحن لسنا بصدد نقد القانون الجديد أو التعليق عليه، ولكنها مجرد خواطر: بالنسبة لحق الزوجة في الطلاق إذا تزوج زوجها بأخرى، أليس المقصود من هذا وضع العقبات في سبيل شيء أحله اللَّه وهو التعدد؟ إن تعدد الزوجات في مجتمعنا لا يشكل مشكلة، فإن الأعباء المادية والظروف الاقتصادية المحيطة بالناس تجعل القادرين على تبعات هذا التعدد نسبة ضئيلة جدًا لا تستحق أن نجعلها القاعدة التي تسن القوانين من أجلها، وبالإضافة لهذا فإن تعدد الزوجات- في ظروف معينة لا يتسع المجال لشرحها- يكون فيه صالح المجتمع.
ثم مسألة أخرى، وهي ما نص عليه القانون من أن خروج المرأة للعمل لا يعد خروجًا عن طاعة الزوج. أليس الأصل أن البيت مكان المرأة؟ نحن نفهم ما قاله الفقهاء من أن الرجل لا يحق له أن يمنع زوجته من العمل إذا كان عملها من فروض الكفاية الخاصة بالمرأة، كأن تكون طبيبة للنساء مثلا. هذا لا اعتراض عليه، إنما الاعتراض أن يكون العمل- أي عمل- حقًا خالصًا للمرأة، فإن ذلك يؤدي إلى انهيار الأسرة وليس إلى تقويمها، فالأم هي المدرسة الأولى لأبنائها، فإذا ما دفعناها إلى العمل خارج البيت طوال النهار، فمن الذي يقوم على تربيتهم؟
إن النص في القانون على أن خروج المرأة للعمل لا يعتبر خروجًا عن طاعة الزوج يعد امتهانًا لكرامة الرجل، وإهدارًا لهذه القيم الإسلامية التي تقضي بوجوب بقاء المرأة في بيتها.
وكما قلت من قبل: إننا لسنا بصدد نقد القانون الجديد أو التعليق عليه، ولكن