كشف الستر
عما ورد في السفر إلى القبر
لفضيلة الشيخ حماد بن محمد الأنصاري
المدرس بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد : فقد ورد إليَّ سؤال ، صورته : وقع بين شخصين نزاع ، هل يجوز لشخص أن ينوي السفر لمجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون المسجد ؟ أفتونا والله يحفظكم .
والجواب : إن زيارة القبر كان منهيًا عنها في أول الإسلام لقرب الناس آنذاك من عبادة الأصنام ، ثم نسخ ذلك بقوله عليه الصلاة والسلام : ” كنت نهيتكم عن زيارة القبور ، فزوروها فإنها تذكركم الآخرة ” . وأبيحت الزيارة للرجال دون النساء ، وبقيت في حق النساء محرمة إلى يوم القيامة ؛ لحديث ابن عباس رضي اللَّه عنهما عند أبي داود والترمذي وغيرهما : ” لعن رسول الله صلى الله عليه وسلمزائرات القبور . الحديث ” . [ حديث صحيح من طريق أبي صالح عن ابن عباس ، وأبو صالح هذا قيل : باذام مولى أم هانئ . وقيل : ميزان البصري . فعلى كل من القولين فالحديث صحيح لأن باذام إذا روى عنه محمد بن جحادة ، فحديثه صحيح . وهذه الرواية من روايته عنه ، بخلاف ما إذا روى عنه الكلبي وأمثاله ، وأما على القول بأن أبا صالح هذا هوم ميزان البصري فلا خلاف في صحة هذه الرواية ] .
كما أن شد الرحال إلى قبر مخصوص محرم لحديث أبي هريرة في الصحيحين : ” لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد .. الحديث ” . وفي الحديث الأخير مشروعية شد الرحل إلى أحد المساجد الثلاثة – المسجد الحرام ، والمسجد النبوي ، والمسجد الأقصى .
وأما ما سوى هذه المساجد الثلاثة فقد دل هذا الحديث الصحيح على أنه لا يجوز شد الرحل إليه بمجرده ، وذلك إذا كان يقصد الزائر مجرد زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم دون المسجد ، أما إذا قصد المسجد ، ثم زار القبر الشريف فهذا مشروع لما تقدم من مشروعية زيارة القبور للرجال .
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم نص صحيح في جواز شد الرحال إلى قبر مخصوص سواء كان قبره ( أو قبر غيره ، فمن ثم لم ينقل عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم ولا عن أحد من التابعين لهم بإحسان أنه شد رحلاً لمجرد قصد زيارة قبره ( و لمجرد زيارة قبر غيره .
عن عائشة رضي الله عنها ” من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ” . فالخير في اتباع السلف ، والشر في ابتداع الخلف .
هذا ، وقد استدل بعض المتأخرين ممن ينتمي إلى العلم على مشروعية مجرد قصد زيارة القبر الشريف أو غيره بأدلة إما موضوعة أو ضعيفة جدًّا لا تثبت بمثلها الأحكام الشرعية ، كما هو معلوم عند أهل التحقيق والمعرفة بالحديث ؛ أذكرها مع بيان بطلانها أو ضعفها بما قال أئمة الشأن فأقول بعد الاستعاذة بالله :
أدلة المجيزين لشد الرحل وعدم قابليتها للاستدلال بها على دعواهم أربعة عشر حديثًا :
1- ” ومن زار قبري وجبت له شفاعتي ” أخرجه أبو الشيخ وابن أبي الدنيا عن ابن عمر وهو في صحيح ابن خزيمة ، وأشار إلى تضعيفه وقال : في القلب من سنده شيء ، وأنا أبرأ إلى الله من عهدته . قلت : وفيه مجهولان :
أ- عبد الله بن عمر العمري ، قال أبو حاتم : مجهول .
ب- موسى بن هلال البصري العبدي قال أبو حاتم : مجهول ، وقال العقلي : لا يصح حديثه ، ولا يتابع عليه يعني هذا الحديث ، وقال الذهبي : وأنكر ما عنده حديثه عن عبد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر فذكر هذا الحديث وفي رواية : ” من زار قبري حلت له شفاعتي ” .
2- ” من حج فزار قبري بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي ، أخرجه الطبراني والبيهقي عن ابن عمر ، وفيه حفص بن سليمان القاري . قال ابن عدي : رمى بالكذب والوضع ، وقال الإمام أحمد بن حنبل : متروك الحديث ، وقال البخاري : تركوه ، وقال ابن خراش : كذاب يضع الحديث ، وذكر الذهبي هذا الحديث من منكراته بما لفظه وفي ترجمته في كتاب الضعفاء للبخاري تعليقًا ابن أبي القاضي حدثنا سعيد بن منصور ثنا حفص بن سليمان عن ليث عن مجاهد عن ابن عمر مرفوعًا ” من حج وزارني بعد موتي … الحديث ” .
3- ” من زارني بالمدينة محتسبًا كنت له شهيدًا أو شفيعًا يوم القيامة ” . أخرجه البهيقي عن أنس . وفيه أبو المثنى سليمان بن يزيد الكعبي . قال الذهبي : متروك ، وقال أبو حاتم : منكر الحديث ، وقال ابن حبان : لا يجوز الاحتجاج به .
4- ” ومن حج ولم يزرني فقد جفاني ” . وقال السخاوي في المقاصد : لا يصح ، أخرجه ابن عدي في الكامل ، وابن حبان في الضعفاء والدارقطني في العلل ، وغرائب مالك عن ابن عمر مرفوعًا ، وقال الذهبي في الميزان : بل هو موضوع .
5- ” من زار قبري أو قال : من زارني كنت له شفيعًا أو شهيدًا ومن مات بأحد الحرمين بعثه الله من الآمنين يوم القيامة ” . أخرجه أبو داود والطيالسي في مسنده عن عمر بن الخطاب وفيه مجهول وسنده كما يلي :
قال أبو داود : حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي ، قال : حدثنا رجل من