كتاب الحركات السرية في الإسلام
تفسير ماركسي مرفوض
– 3 –
بقلم الأستاذ محمد السيد الجليند
أستاذ الفلسفة بكلية دار العلوم
وظل الاتصال قائمًا بين القرامطة والإسماعيلية إلى أن ادعى سعيد بن الحسين بن عبد الله القداح أنه الإمام عبد الله المهدي المنتظر الذي بشرت به الباطنية فخرج عليه حمدان القرمطي لأن الداعي الباطني ” الحسين الأهوازي” كان قد لقنه أنهم يدعون إلى إمامة محمد بن جعفر وأنه المهدي المنتظر ، ولما أرسل حمدان إلى سعد بن الحسين ليستوضحه الأمر قال له سعيد القداح : إن محمد بن إسماعيل لا أصل له وأن أبي كان هو الإمام وأنا قائم مقامه . ومن هنا انشق القرامطة على الإسماعيلية وكان سبب هذا الانشقاق دينيًا كما كان سبب الاتصال بينهما دينيًا أيضًا .
ولقد تشكك المؤلف في هذه الجوانب الدينية والعقائدية من حركة القرامطة ، لأن رواية هذا الجانب جاء على ألسنة أهل السنة وهم متهمون عنده . ولكن التشكيك في المراسلات التي كانت تدور بين القرامطة أنفسهم حينما كانوا يختلفون على أنفسهم أو حينما كانوا يجمعون أمرهم ليغيروا على المقدسات الإسلامية .
فلقد حدث أن انشق عليهم أحد دعاتهم باليمن وهو ( علي بن فضل الجدني ) “وانفرد بسلطانه على تلك الناحية فادعى لنفسه النبوة وأنه أتى بشريعة جديدة ناسخة لشريعة محمد الظالمة وانخلع عن كل عقيدة سابقة . فكتب إليه زميله “ابن حوشب” وهو داع قرمطي مثله يعاتب في ذلك وينقم عليه خروجه على الناموس الذي تواضعا عليه ، فكتب إليه علي بن فضل الجدني قائلاً : إنما هذه الدنيا شاة ومن ظفر بها افترسها ولن يأتي سعيد الجنابي أسوة لأنه خلع ميمونًا القداح ودعى لنفسه وأنا أدعو إلى نفسي فإما تنزل على حكمي وتدخل في طاعتي وإلا خرجت إليك ” .
وأخذ ابن فضل يفتخر على أقرانه بشريعته الجديدة التي أبطل فيها شريعة محمد ، وأخذ شعراؤه يدعون إليها بقصائدهم حيث وقف شاعرهم على المنبر يخطب في جنده قائلاً :
خذي الدف يا هذه والعبي
وغني هذا ربك ثم اطربي
تولى نبي بني هاشم
وهذا نبي بني يعرب
لكل نبي مضى شرعة
وهذى شرائع هذا النبي
فقد حط عنا فروض الصلاة
وحط الصيام ولم يتعب
إذا الناس صلوا فلا تنهضي
وإن صوموا فكلي واشربي
ولا تطلبي السعي عند الصفا
ولا زورة القبر في يثرب
ولا تمنعي نفسك المعرس
من أقربين ومن أجنبي
فكيف تحلي هذا الغريب
وصرت محرمة للأب
أليس الغراس لمن ربه
وسقاه في الزمن المجدب
وما الخمر إلا كماء السماء
حلال فقدست من مذهب
أعلن بذلك شاعر القرامطة نبوة علي بن فضل الجدني ، كما أعلن نسخ شريعته لما قبلها من شرائع .
أما عن أبي سعيد الذي تأسى به علي بن فضل الجدني في ذلك فهو أبو سعيد الجنابي الداعي القرامطي الباطني بالبحرين وكان قد انخلع عن الباطنية الإسماعيلية أيضًا وادعى لنفسه النبوة وخلفه في الدعوة من بعده ابنه أبو طاهر الجنابي الذي أخذ يتحين الفرصة وفي غفلة من المسلمين هاجم مكة سنة 317 هـ وقتل وسبي من أهلها الكثير ، ولكي يعلن عقيدته ومذهبه في إبطال الشرائع اقتلع الحجر الأسود الذي يطوف حوله المسلمون في حجهم وحمله معه من مكة إلى الإحساء وليبطل بذلك فريضة الحج إلى مكة وأخذ يفتخر بذلك ويجرح شعور المسلمين ويقول :
ولو كان هذا البيت لله ربنا
لصب علينا النار من فوقنا صبا
لأنا حججنا حجة جاهلية
مجللة لم نبق شرقًا ولا غربًا
وإنا تركنا بين زمزم والصفا
جنائز لا تبغي سوى ربها ربا
ولكن رب العرش جل جلاله
لم يتخذ بيتا ولم يتخذ محبا
وأخذ رجال أبي طاهر يضرب الحجر ويقول له : كم تعبد في الأرض وآل محمد لا يظهرون . وهنا يتبين أن القرامطة هاجموا مكة واقتلعوا الحجر لاعتقادهم بطلان فريضة الحج . ولقد ظل الحجر الأسود في حوزتهم في هجر عاصمة أبي طاهر اثنتين وعشرين سنة ولم يرد إلى مكة إلا في سنة 339 هـ حيث رده أبو إسحاق إبراهيم بن يحيى المزكي . وهذا قليل من كثير كان يفصح عنه القرامطة حينما تتاح فرصة الإعلان عن معتقداتهم . ناهيك بتأويلاتهم لآيات القرآن الكريم وتحريفهم لنصوصه .
ولكن المؤلف لم يلتفت إلى هذا الجانب وهو أساس المذهب القرمطي ، وصور لنا أعضاءها بأنهم طبقة مظلومة أخذوا يدافعون عن وجودهم ضد الاستبداد والظلم الذي وقع عليهم من المسلمين والغزاة وأنهم ليسوا سوى حركة اجتماعية لا هدف لها سوى التغيير الاجتماعي ، وأريد أن أسأل المؤلف ما هو المعنى الاجتماعي الذي يرمز إليه الهجوم على مكة واقتلاع الحجر الأسود وهو من المقدسات الإسلامية . وما هو المعنى الاجتماعي المقصود من وراء ما عبر عنه شاعرهم بإبطال الشرائع ودعوة النبوة لابن فضل . هل فريضة الحج ظلم اجتماعي حتى يقال : إن إبطالها رفع للظلم . هل الإيمان بنبوة محمد ظلم طبقي حتى يقال إن إدعاء النبوة من أحد رفع لهذا الظلم الطبقي ؟
إن هذه الرؤية الماركسية التي فسر من خلالها ح