بسم الله الرحمن الرحيم
( قل هو الله أحد . الله الصمد .
لم يلد ولم يولد . ولم يكن له كفوا أحد )
بقلم فضيلة الشيخ محمد الغزالى
رئيس قسم الدعوة
وحدانية الله نتيجة محتومة لكل نظر صائب صادق فى هذا العالم الكبير !
ولنضرب مثلا بالجسم الانسانى ،إذ هو أقرب شىء الينا ، ان الأجهزة العاملة فيه كثيرة ،والوظائف التى تؤديهامنوعة ، ومع ذلك فان الوحدة التى تنتظمها ، وتقر التناسق بين جهودها تدل على أن المشرف واحد ،وأن الذي صنع المادة في هذه الأجهزة ، ورسم الخطة لسيرها ، ووزع شتى الأعباء عليها واحد.
إن الجهاز العصبي يصدر أوامره إلى فروة الرأس وأصابع القدم ، والجهاز الدوري يمد الأطراف القريبة والبعيدة بحاجتها من الدم النقي ويطرد عنها ما يؤذيها من الدم المشوب ، وسائر الأجهزة المعقدة في ذلك الجسم الساحر تتبادل الأعباء والحقوق تبادلا ينطق بوحدة الخطة والهدف ووحدة الخالق الأعلى !!.
وما يقال في الجسم البشري يقال في هذا الكون (الراقص) على حد تعبير بعض العلماء- فإن نماء سنبلة في حقل قضية تشارك فيها الكواكب الدوارة في الفضاء ، كما تشارك فيها حبات التراب وقطرات الماء عندنا!!.
فلولا هذا البعد الموزون بين الأرض والشمس ما أمكنت حياة ، ولا نما زرع أو ضرع !!.
مما يدل كذلك على أن خطة الوجود من الأوج إلى السفح واحدة ، وأن بديع السموات والأرض واحد..
فإذاأصغينا إلى قول العلماء الثقات أن داخل الذرة نفس النظام المطرد في المجموعة الشمسية ، وأن اللبنة التي بنيت منها المادة الكونية هي التي تنتشر في رحاب العالم أدركنا أن الله واحد ، وهتفنا مع القرآن الكريم (الله نور السموات والأرض ) .
وسورة الإخلاص تتضمن الحديث عن وحدانية الله ، على أساس أن وجوده جل شأنه حقيقة فوق الريب . والواقع أن إنكار الوجود الأعلى ليس تفكير عقل وإنما هو بلادة حس .
والذين يزعمون أن التقدم العلمي يحرج الإيمان بالله نفر من صناع الأكاذيب بين الناس ، والحادهم لا يعود إلى نصيب محترم من المعرفة قدر ما يعود إلى نصيب مضاعف من الغفلة والسماجة !!
والوحدانية التي تقررها سورة الأخلاص تنفي أولا أن يكون لله شركاء ينازعونه الألوهية ، ويستحقون معه العبادة والحب والولاء والدعاء.
وقد كان بعض العرب يؤمن بالله ، وأنه الخالق الرازق ، ولكنه يتخذ من بعض المخلوقات الخشبية أو الحجرية وسائط له ، يرجو بها الخير ويدفع الشر ، وإذاسئل عن هذه المخلوقات التي يقدسها وينحني لها قال : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ( ..
وقد رفض الإسلام هذا السلوك الغبي ، وأمر أن يقصد الناس إلى ربهم مباشرة، وأن يتركوا هذه الآلهة المختلقة ، وأكد الإسلام أن كل ما عدا الله- تبارك اسمه- عبد له فقير إليه ، فليس في السموات ولا في الأرض ، ولا في الأولين أو الآخرين ، من يشذ عن هذا الوصف .
وظاهر من الاستقراء التاريخي أن الشرك بالله تخيل واعوجاج يسيطران على بعض الجهال ، وأنه ليس هناك في عالم الواقع شريك في خلق أو رزق .
وإذاكان هناك من عبد حجرا فإن المستقر الحقيقي لهذا الحجر أن يكون درجة سلم أو عتبة دار ..
وإذاكان هناك من عبد بشرا فإن المستقر الحقيقي لهذا البشر أن يلقي جزاء عمله ، إما بين أفنان الجنة ، أو بين طبقات النار …
أما رب العالمين- تبارك أسمه- فهو واحد لا شريك له ، له المجد كله ، وله الحمد كله .. أتظن أن مالك هذا الكون فقير ؟ أتظن أن مخترعه من عدم عاجز؟ أتظن أن واضع نظمه وراسم سنته جاهل ؟ .
إن الله- بمنطق البداهة- غني وغيره فقير إليه ، قادر وما عداه عاجز ، عالم ومن خلقهم لا يدرون إلا ما يقفهم عليه ، الكمال كله في ذاته ، والنقص كله في عالم مقهور لقدرته خاضع لسلطانه مرهون بمشيئته، وهذا معنى (الصمد) .
اسمع هذه الكلمات لرجل من تلامذة محمد- صلى الله عليه وسلم- الذين تعلموا منه وحدانية الله ، والتسبيح بحمده واللهج بمدحه ، أخرج الطبراني عن أنس- رضي الله عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مر بأعرابي وهو يدعو في صلاته يقول : (( يا من لا تراه العيون ، ولا تخالطه الظنون ، ولا يصفه الواصفون ، ولا تغيره الحوادث ، ولا يخشى الدوائر . يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار ، وعدد قطر الأمطار ، وعدد ورق الأشجار ، وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار ، ولا توارى منه سماء سماء ولا أرض أرضا ، ولا بحر ما في قعره ، ولا جبل ما في وعره . اجعل خير عمري آخره وخير عملي خواتيمه وخير أيامي يوم ألقاك فية .. )) ( وتمام الحديث فوكل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالأعرابي رجلا فقال إذاصلى فأتني به فلما صلى أتاه وقد كان اهدى لرسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذهب من بعض المعادن ، فلما أتاه الأعرابي وهب له الذهب وقال ممن أتت يا أعرابي قال من بني عامر بن صعصعة يا رسول الله قال هل تدري لم وهبت لك الذهب ؟ قال للرحم بيننا وبينك يا رسول الله