في وحدة الأديان السماوية
وأنها جميعًا هي الإسلام
للدكتور إبراهيم هلال
دكتوراة في الفلسفة الإسلامية من جامعة القاهرة
الأصل في رعاية البشر من الله سبحانه وتعالى أن ينزل إليهم الدين كدستور يسيرون عليه في حياتهم ، ولا يعقل أن يخلقهم الله ، ولا يرسل اليهم أنبياء بدين يهديهم في حياتهم ، وخاصة إذا تصورنا ، الإنسانية في بدء حياة الخليقة ، وما هي محوطة به من بداوة وتأخر ، وبعد عن العلوم والفنون فخلق آدم وأولاده وجعل لهم رسولا هو آدم نفسه ثم أرسل نوحا ، ثم أرسل موسى وأنبياء بني إسرائيل داود وسليمان وزكريا ويحيى وغيرهم ثم عيسى ثم محمدا عليهم جميعًا الصلاة والسلام .
وهكذا فلم يكن من الممكن أن تحيا البشرية من يوم أن خلقت إلى الآن ، بدون هؤلاء الرسل الذين بدءوا بآدم ، وانتهوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ومن هنا كان الدين الذي أتوا به جميعًا واحدا ، هو الإسلام فالدين الذي أتى به موسى هو الإسلام ، والذي أتى به عيسى هو الإسلام والذي أتى به محمد عليه وعليهم الصلاة والسلام هو الإسلام ، فكل نبي أتى بحلقة من حلقات هذا الدين تتوافى مع طباع البشرية وعقلياتها وحاجات عصرها في حياتها المتطورة ، التي بدأت بدائية ، ووصلت إلى ما وصلت إليه الآن من تقدم علمي وعقلي ، ومعروف عند العلماء والمفكرين جميعًا في العالم كله المعاصرين ومن قبلهم أن عقلية الجيل التالي خير من عقلية الجيل السابق نظرا لما استفاده الجيل المتأخر من انتفاع بعلوم سابقيه ، وزيادة عليها بما ينميه .
وهكذا كانت البشرية في أطوارها فمثلها في حياتها الطويلة كحياة أمة كانت متخلفة ثم قامت بثورة واختطت لها حياة جديدة نحو النهوض والتقدم ، فإنها تضع في مبدأ أمرها دستورا تظن أنه موافي لها دائمًا ولكن سرعان ما تتطور ، فنجد أن هذا الدستور أصبحت فيه فقرات لا تتفق مع الحياة الجديدة ، كما أنه محتاج إلى اضافة فقرات جديدة ينقصها هذا الدستور الأول فتضع دستورا ثانيًا فيه ما يصلح من مواد الدستور الأول مع زيادة عليها وحذف لأجزاء أخرى ، وهكذا إلى أن نصل إلى وضع كامل فيصاغ دستور كامل يسير معها أجيالاً وأجيالاً ، وهكذا الدين الإسلامي ، بدأ بحلقات من آدم إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فدين محمد صلى الله عليه وسلم إنما هو آخر حلقة من حلقات دين الله الذي هو الإسلام .
ويتحدث القرآن الكريم عن ذلك فيقول: (ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلمًا) (67 آل عمران).
ويورد دعاء سيدنا يوسف مخاطبا ربه : (… أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين) (101 يوسف).
ودعاء إبراهيم ، وإسماعيل : (ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك) (البقرة 128).
ووصية إبراهيم : (ووصى بها إبراهيم بنيه ويعقوب يا بني إن الله اصطفى لكم الدين فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون) (البقرة 132).
فالإسلام هو دين الأولين والآخرين من الأنبياء ويوجه الله سبحانه المسلمينَ إلى ذلك فيقول لهم: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم) إلى قوله: (ونحن له مسلمون) (البقرة: 136).
وينقل القرآن ذلك من أتباع عيسى عليه السلام فيقول: (فلما أحس عيسى منهم الكفر قال من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله آمنا بالله واشهد بأنا مسلمون) (آل عمران 52).
(وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون) (المائدة : 111).
ويأمر الله سبحانه رسوله محمدا صلى الله عليه وسلم فيقول له: (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينًا قيمًا ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) (الأنعام 161).
وخاطب السحرة فرعون فقالوا له: (وما تنقم منا إلا أن آمنا بآيات ربنا لما جاءتنا ربنا أفرغ علينا صبرًا وتوفنا مسلمين) (176 الأعراف).
ويخاطب نوح عليه السلام قومه فيقول لهم: (فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين) (يونس 72).
ويخاطب موسى قومه أيضًا فيقول لهم كما يحكي عنه الله ذلك: (وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) (يونس 14).
ويعلن فرعون إسلامه حين أدركه الغرق فيقول: (آمنت أنه لا إله إلا الله الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين). (يونس 90).
ويرسل سليمان عليه السلام خطابه إلى ملكة سبأ مصدرا بالبسلمة التي هي شعار دين محمد صلى الله عليه وسلم وآية من كل سورة من سور القرآن الكريم ، فيقول لها: (إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن الرحيم ألا تعلو على وأتوني مسلمين) (النمل 30، 31).
ويخاطب حاشيته فيقول لهم : (أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين) (28 النمل).
وإيمان ملكة سبأ هذه بسليمان عليه السلام لا يكون إلا بالإسلام حيث تقول: (رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين) (النمل 44).
وهكذا نجد الإسلام دين جميع الأنبياء من أول آدم عليه السلام إلى محمد