في رياض التوحيد
بقلم : إبراهيم شعبان يوسف
(زبدة الرسالات)
أرسل الله الرسل وأنزل الكتب على المنذرين لهداية البشر وتنحيتهم عن عبادة الخلق إلى عبادة الخالق والاعتراف الصحيح الصريح بأن العبد ملك لله وحده لا شريك له فكان التوحيد زبدة الرسالات كلها
فهو الشرط الأوحد ومحور ارتكاز الدعوات السماوية جميعها حتى ولو اختلفت فروع الشرائع وفي ذلك يقول الرسول عليه الصلاة والسلام [نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد]
والمعنى أن الدين الذي بعثت به الرسل هو الإسلام المبني على التوحيد مهما تباينت الفروع فالتوحيد مبدأ واحد للمرسلين جميعا وعنه يقول الحق تبارك وتعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ)[25 الأنبياء]
والمتتبع لآي الذكر الحكيم يجد أن دعوة الرسل واحدة فمع نوح عليه السلام يقول الله سبحانه (لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ)[59 الأعراف] وكذا عن دعوة كل من هود وصالح وشعيب وغيرهم صلوات الله وسلامه عليهم – ويقول الله سبحانه لنبيه وخاتم المنذرين (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ)[163 النساء] ويقول أيضا جل شأنه (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ)[13 الشورى]
وأما عن فروع الشرائع فالقرآن أصدق دليل في قوله تعالى (لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا)[48 المائدة]
حقا إن مبدأ التوحيد لله رب العالمين هو الأصل والأساس في إرسال الرسل وإنزال الكتب وقل أن ترى سورة من سور القرآن الكريم إلا وتلمس فيها الدعوة إلى هذا المبدأ والتنديد بالمناوئين له الشاردين عنه الداعين لغيره
أما عن بقية الأركان الإسلامية – مع اعترافنا بها واحترامنا إياها عقيدة وعملا – فلن تجد في آيات الكتاب العزيز ما يوازي آيات التوحيد
ندرك من هذا أن الاهتمام بالأصل إنما هو تثبيت للشجرة حفاظا على الأفنان وما تحمله من أوراق وأزهار وثمار
وأما من يترك التوحيد ويهتم بغيره فهو بمثابة من يرش الماء على الفرع زاعما إنه يروي الجذر
وإن ظل هكذا فلا تلبث الشجرة أن تذبل وتموت وما دام الاهتمام الكبير بالتوحيد –
فأقسامه ثلاثة
أقسام التوحيد
كثير من الناس من يزعم بأن التوحيد لله سبحانه هو النطق بالشهادتين وكفى ولا ضير بعد ذلك أن يدعو غير الله أويحلف بسواه أويتعلق بالتمائم والأحجبة أويطوف بوثن أويستغيث بمقبور إلى آخر ما هو في قاموس الباطل مما هو مناف للشهادتين
– ولكن الحقيقة أن التوحيد أنواع ثلاثة ولا غنى بالأول عن الثاني كما أن الاثنين لا يستغني بهم عن الثالث إذ أن الأقسام الثلاثة في الإسلام رابطة واحدة وإليك الإشارة إليها
الأول – توحيد الربوبية
الثاني – توحيد الإلهية
الثالث – توحيد الأسماء والصفات للذات الأقدس سبحانه وتعالى
(توحيد الربوبية)
هو الاعتراف بأن الله رب كل شيء ومليكه وأنه الخالق الرازق المدبر للأمور المالك للأسماع والأبصار وهو الذي يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي وهو رب العرش العظيم وأنه يجير ولا يجار عليه وبيده ملكوت كل شيء إلى آخر ما هو موضح في القرآن الكريم والسنة المطهرة لهذه الموازين وتلك المعايير
وهذا النوع من التوحيد لا ميزة فيه للمسلمين على غيرهم من المشركين إذ أن الجميع مقر ومعترف بهذا كله
ومن أراد أن يطفئ ظمأه فليقرأ هذه الآيات على سبيل المثال حيث يوجه الرسول أسئلة للمشركين بقوله تعالى في سورة يونس (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ)[الآية 31] ـ وتتوالى الأسئلة كما في سورة المؤمنون (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ)[الآيات 84-89]
وكما يسألهم عليه الصلاة والسلام بآيات العنكبوت
(وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ف