فضل الجهاد والمجاهدين
لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
رئيس الجامعة الإسلامية
بالمدينة المنورة
المقصود من الجهاد
الجهاد جهادان ، جهاد طلب ، وجهاد دفاع ، والمقصود منهما جميعًا هو تبليغ دين اللَّه ودعوة الناس إليه وإخراجهم من الظلمات إلى النور ، وإعلاء دين اللَّه في أرضه وأن يكون الدين كله لله وحده ، كما قال عز وجل في كتابه الكريم من سورة البقرة : { وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ } ، وقال في سورة الأنفال : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله للَّه } ، وقال عز وجل في سورة التوبة : { فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُواْ الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُواْ لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، وقال النبي r: (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمد رسول اللَّه ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا لك عصموا منى دمائهم وأموالاهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على اللَّه عز وجل )) متفق على صحته من حيث ابن عمر – رضى اللَّه عنهما ، وفي الصحيحين عن أبى هريرة رضى اللَّه عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا اللَّه وأن محمد رسول اللَّه ، ويقيموا الصلاة ، ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا لك عصموا منى دمائهم وأموالاهم إلا بحقها وحسابهم على اللَّه )) ، وفي صحيح مسلم عنه أيضًا رضى اللَّه عنه قال : قال رسول اللَّه قال : (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا اللَّه ويؤمنوا بي وبما جئت به )) ، وفي صحيح مسلم أيضًا عن طارق الأشجعى رضى الله عنه قال : قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم : (( من وحد اللَّه وكفر بما يعبد من دون اللَّه ، حرم ماله ودمه وحسابه على اللَّه عز وجل )) ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وفي هذه الآيات والأحاديث الدالة على وجوب جهاد الكفار ، والمشركين وقتالهم بعد البلاغ والدعة إلى الإسلام وإصرارهم على الكفر حتى يعبدوا اللَّه وحده ويؤمنوا برسوله محمد صلى الله عليه وسلم ويتبعوا ما جاء به ، وأنه لا تحرم دماؤهم وأموالهم إلا بذلك وهى تعم جهاد الطلب ، وجهاد الدفاع ولا يستثنى من ذلك إلا من التزم بالجزية بشروطها إذا كان من أهلها عملا بقول اللَّه عز وجل : { قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ }، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخذ الجزية من مجوس هجر ، فهؤلاء الأصناف الثلاثة من الكفار وهم : اليهود والنصارى والمجوس ثبت بالنص أخذ الجزية منهم ، فالو اجب أن يجاهدوا ويقاتلوا مع القدوة حتى يدخلوا في الإسلام أو يؤدوا الجزية عن يد وهم صاغرون ، أما غيرهم ، فالو اجب قتالهم حتى يسلموا في أحد قولي العلماء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قاتل العرب حتى دخلوا في دين اللَّه أفواجا ، ولم يطلب منهم الجزية ، ولو كان أخذها منهم جائزًا تحقن به دماؤهم ابينه لهم ولو وقع ذلك لنقل ، وذهب بعض العلم إلى جواز أخذها من جميع الكفار لحدين بريدة المشهور في ذلك المخرج في صحيح مسلم ، والكلام في هذه المسألة وتحرير الخلاف فيها وبيان الأدلة مبسوطة في كتب أهل العلم ، من أراده وجده ، ويستثني من الكفار في القتال النساء والصبيان والشيخ الهرم ونحوهم ممن ليس من أهل القتال ما لم يشاركوا فيه فإن شاركوا فيه أو ساعدوا عليه بالرأي والمكيدة قوتلوا كما هو معلوم من الأدلة الشرعية ، وقد كان الجهاد في الإسلام على أطوار ثلاثة : الطور الأول : إذن للمسلمين في ذلك من غير إلزام لهم به كما في قوله سبحانه : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ } ، الطور الثاني : الأمر بقتال من قاتل المسلمين ، والكف عمن كف عنهم ، وفي هذا الوعد نزل قوله تعالى : { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ } الآية ، وقوله تعالى : { وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ } ، وقوله تعالى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ } ، في قول جماعة من أهل العلم ، وقوله تعالى في سورة النساء : { وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء حَتَّىَ يُهَاجِرُو