بسم الله الرحمن الرحيم
فاتحة العام الثاني
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد عبده ورسوله، الذي بُعِثَ ليتَمِّمَ مكارمَ الأخلاق، ويُصلح ما فسد من أمور الناس في دينهم ودنياهم. صلى الله عليه وعلى آله وسلم.
وهذه هي السنة الثانية لمجلة (التوحيد) وهي تسير على هدى، موفقة إلى الخير بعون الله ، داعية إلى الحق ، إلى كتاب الله وسُّـنّة رسوله، متّبِعة مذهب السلف الصالح رضي الله عنهم، لا تفرق بها السبل عن سبيل الله.
وإنه ليسر مجلة “التوحيد”، في مطلع عامها الهجري الجديد، أن تستجيب لرغبات قرائها الأعزاء، فتقدم لهم تفسير القرآن الكريم، بعبارة واضحة سهلة، يستطيع فهمها المثقفُ العادي، ويجد من أسلوبها ما يرغبه في متابعة القراءة، مع ترك المصطلحات الفنية التي تعوق القارئ غير المتخصص عن متابعة القراءة، إلا إذا دعت الضرورة إليها لغرض التوضيح، وإبانة المعنى المراد.
وما أحوجنا في هذه الآونة، بل ما أحوجنا في كل آنٍ، أن نرجع إلى كتاب ربِّـنَا نستلهمه الرشد والهداية، ونعتصم بحبله المتين، فإن القرآن العظيم كتاب الله، أوحى به إلى أفضل خلقه، وأكمل رسله، بلاغًا للناس، ولينذروا به، (وليعلموا أنَّما هو إله واحد وليذَّكَّرَ أولو الألباب)، وأودعه من العقائد والعبادات، والأحكام والحكم، وفنون العلوم وأصول الفضائل، ما به قوام الملّة الكاملة، والأمة الفاضلة، والدولة الراشدة، وما به سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، قال تعالى: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء) وقال جلَّ ذكره: (ما فرَّطنا في الكتاب من شيءٍ). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن هذا القرآنَ حبل الله المتين، والنور المبين، والشفاء النافع، عصمة لمن تمسَّك به، ونجاة لمن تَبِعه، لا يعوج فيقوم، ولا يزيغ فيستعتب، ولا تنقضي عجائبه، ولا يخلق على كثرة الرد). وعن ابن مسعود رضي الله عنه: (إذا أردتم العلم فأثيروا القرآن فإن فيه علم الأولين والآخرين).
وإنا لنتوجه إلى الله تعالى أن يجعل عملنا خالصًا لوجهه الكريم، وأن يتقبله بقبول حسن، وأن يجنبنا الزلل، وأن يعفو عما يكون من تقصير.
كما نسأله أن يجمع كلمة المسلمين على كتاب الله وسُّـنّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ينصرهم على أعدائهم، أعداء الله، إنه الموفِّقُ للصواب، الهادي إلى سبيل الرشاد.
سورة الفاتحة ومكانتها من القرآن الكريم:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدُ للهِ ربِّ العالمين ( الرحمن الرحيم ( مالك يوم الدين ( إياك نبعد وإياك نستعين ( اهدنا الصراط المستقيم ( صراط الذين أنعمتَ عليهم غير المغضوبِ عليهم ولا الضالين *
التفسير
( أ ) مقدمة في مسائل ينبغي معرفتها:
الأولى : في المكّيّ والمدني:
لم ينزل القرآن الكريم على رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة واحدة، ولا دفعة واحدة، وإنما نزل متفرقًا بحسب الوقائع والحوادث، وبحسب الأسئلة والاستفتاءات في ثلاث وعشرين سنة، كما قال سبحانه: (وقرآنًا فرقناه لتقرأه على الناس على مكثٍ ونزّلناه تنزيلاً) آية 106 من سورة الإسراء.
وهذه الفترة قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حوالي ثلاث عشرة سنة منها في مكة قبل الهجرة، وقضى حوالي عشر سنوات منها في المدينة بعد الهجرة، فكان المكي من القرآن ما نزل قبل الهجرة في مكة، أو في ضواحيها، كمنى، وعرفات، والحديبية، أو في القدس ليلة الإسراء، أو ما نزل في طريق المدينة قبل أن يبلغها النبي صلى الله عليه وسلم، وكان المدني ما نزل بعد الهجرة في المدينة، أو في ضواحيها، كبدر، وأُحد، وسلع، ومنه ما نزل بمكة عام الفتح، أو عام حجة الوداع، وما نزل في سفر من الأسفار بعد الهجرة.
فالفاصل بين المكي والمدني من القرآن الكريم: آياته وسوره- فاصل زماني، لا مكاني، وهذا هو أشهر الآراء وأرجحها.
الثانية – في معنى السورة:
السورة هي الطائفة والجملة من كلام الله العزيز، لها أول ولها آخر، ولها عدد معلوم من الآيات، والكلمات، والحروف، وتعرف السورة باسم خاص بها، أو بعدة أسماء، وأسماء السور مروية عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وإنما سميت سورة لارتفاع منزلتها، وعلو مكانتها، بكونها من كلام الله تعالى، وفضل كلام الله على سائر الكلام، كفضل الله على خلقه، والسورة في اللغة: المنزلة الرفيعة، كما في قول الشاعر
ألم تر أن الله أعطاك سورة ترى كل مَلكٍ دونها يتذبذب
وأجمعوا على أن عدد سور القرآن مائة وأربع عشرة سورة، ومن عدها مائة وثلاث عشرة جعل سورتي الأنفال والتوبة سورة واحدة.
والحكمة في تسوير القرآن سورًا أن يكون أنشط للقارئ، وأبعث على التحصيل وأن الجنس إذا انطوت تحته أنواع كان أحسن من أن يكون بابًا واحدًا، وفي هذا التسوير أيضًا إشارة إلى أن كل سورة نمط مستقل.
الثالثة – في الاستغاذة:
أمرنا الله بالاستعاذة به من الشيطان الرجيم عند أول كل قراءة، فقال: (فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم) سو