عمل المرأة وهل هو ضرورة
بقلم الدكتور إبراهيم هلال
بقية المقال السابق : ( لم هذه الضجة الكبرى ) ؟
إكمالاً للحديث في المقالة السابقة أعرض مقتطفات من كلام الدكتورة كي نتبين فيها مدى القسوة التي تقسوها هذه الكاتبة على بنائها وأخواتنا وزواجاتنا وعلى الأمة الإسلامية بمطالبة سيادتها بالزج بالمرأة في ميدان الأعمال وحتى تصبر في غمرة الصناعة والإنتاج منصرفة عن البيت والولد والزوج والأخ والأب أو موزعة الجهود ومشتتة القوى بين البيت وبين المصنع أو الديوان تلكم هي كلماتها : ” إن المجتمع الحديث الذي تعمل فيه المرأة وتنتج وتشارك بسبب ضرورة إنتاجها في صنع قراراته ، مجتمع لم يعد يعترف بوجود منفق واحد على أسرة هو الرجل ” ، ” إن دخول المرأة عالم الإنتاج من أوسع الأبواب لا شك هو الحل الأمثل لكل مشاكلها التشريعية ” النقطة الواحدة ، نقل المرأة من تحت راية المستهلكين إلى تحت راية المنتجين ، ويبلغ بالدكتورة التي تقدم هذا الكلام أن تصل بحملة التمرد هذه إلى مستوى تحض فيه المرأة على التنكر للرجل ومنابذته ورفض أي تجله أو تكريم منه لها فتقول : ” عندئذ ستنال حقوقها السياسية والاجتماعية ولا تقف موقف المتفرج من التغييرات الحاصلة ، ولا موقف الذليل الذي يتلقى ما يعطي له هبة أو منة أو رعاية أو حتى وفاء ” .
الجهل وسوء الظن سبب هذه الضجة :
وأقول لمن يردد مثل هذا الكلام في هذه الأيام إما عن حسن نية أو عن سوء قصد : إنكم مهما تقولون ومهما تتعللون بالأعذار كي تبرروا قولكم في المطالبة باشتراك المرأة في العمل مع الرجل ، أو تثبيتها في حياة العمل ومواقعه التي نالتها فإنكم بذلك تجلبون على أنفسكم أما إساءة ظن الناس بكم وبنياتكم وأما جهلكم بالحياة وبالمرأة وبالرجل على السواء ، بل وبواقع الحياة التي تحياها مصر الآن .
إن المرأة هي المرأة مهما تقولون عنها ، وإن الحياة هي الحياة مهما تحضرت أو تطورت أو ضربت في العلم والصناعة بأكثر مما وصلته الآن .
الحياة هي الحياة بمتاعبها وأثقالها وظروفها الصعبة ومفاجآتها التي تنتظر الصبر وتنتظر الجلد وتتطلب الكدح والعمل الشاق والسعي في الآفاق وهنا وهناك والرحلة والتنقل والعكوف على العلم والانكباب على البحث والدراسة والصمود أمام إجراء التجارب وانتظار نتائجها والموضوعية الدقيقة والحيدة الكاملة في العلم والعمل والتعامل مع الغير ومع النفس إلى آخر ما تحتاجه حياة العاملين المجدين الذي يعملون بجد وإخلاص لبناء أمتهم وإثبات وجودهم في الحياة كأناس يستحقون الحياة .
ولا أقول : إن المرأة لا تصلح لذلك ، وإن الرجل وحده هو الذي يصلح فإن من النساء من يمكن أن تصلح لكثير من هذا ، ولكن أقول : إن المرأة السليمة الفطرة لو خيرت بين هذه الحياة وبين الحياة في كنف رجل يرعاها ؛ ويحمل عنها أثقالها لما مدت عينها لمثل ما تدعو إليه الدكتورة لاختارت البيت مسكنًا وإقامة وتربية الأولاد عملاً وهواية وقد نطقت بذلك بعض بنات جنسها في نفس العدد الذي نشر مقالة هذه الدكتورة ، إلى جانب ذلك أعود فأقول : إن المرأة هي المرأة وهي الإنسان الذي خلقه الله سبحانه وتعالى وسواه على صورة تختلف عن صورة الرجل وتقويم وتركيب يغاير تقويمه وتركيبه سواء من ناحية البنية الجسمية لا يستطيع في عمومه أن ينهض بأمور هذه الحياة المتقدمة كما يستطيع تركيب الرجل أن ينهض في قوة وفي صبر ومداومة وتقبل واعتدال ودون ملل أو إرهاق .
عمل المرأة خطر على عفافها وحياتها :
ومن جانب آخر فإن حصانة المرأة وعفافها يختلان بالعمل ومزاولته إذا وضعت بين من لا خلاق لهم من الرجال أو حشرت في المواصلات ذلك الحشر الذي نراه اليوم ، أو سعت إلى عملها على الأقدام غادية رائحة .
إن الإسلام أباح عمل المرأة قديمًا إذا لم يكن لها عائل يعولها وشرط لخروجها لهذا العمل أن تؤمن الفتنة وأن تأمن هي على نفسها ، وهي في القديم كانت من الممكن أن تأمن على نفسها لأن خروجها للعمل لم يكن يتكرر كل يوم كما هو الحال في هذا العصر ، وإنما كان يكفى أن تخرج مرة في الأسبوع أو مرتين على الأكثر .
وخروج المرأة كان من الندرة بمكان ؛ لأن العمل اليومي كله كان منوطًا بالرجال ، فكانت المرأة المحتاجة تخرج لتشتري تجارة أو تبيع صناعة ثم تعود ومن هنا كان خروج النساء نادرًا وقليلاً وليس مثل ما هو اليوم كثير ومبتذل كما كانت تخرج متحشمة لا متزينة ولا بقصد الإغراء ولفت الأنظار إن قطعان النساء اللاتي نراها تملأ الشوارع وتغمر الأسواق وتقيض بها الدواوين والمصانع اليوم لم يكن لها وجود بالأمس والإسلام قبل هذا كله أوجب على الحاكم رعاية الأسرة وإعالة من لا عائل له وأن يفرض للمحتاج من بيت المال فلم تكن المرأة تخرج هذا الخروج المتقدم إلا في حال ضعف الدولة وعدم رعاية الحاكم لواجباته كما يجب ، كما يحدثنا بذلك التاريخ .
إن المرأة في ذاتها لم تخلق لحياة الخشونة وحياة الكدح والكفاح الد