عمارة المساجد
بقلم الأستاذ حسن الجنيدي
سكرتير عام الجماعة
دأب بعض الدعاة من أنصار السنة المحمدية على تذكير الناس بعمارة بيوت الله في الصلوات المكتوبة بعد أن قصرت خطى الكثيرين إلى المساجد واكتفوا بالتوجه إلى بيوت الله لأداء فريضة الجمعة فحسب .
وفيما يلي سنيين ما ورد في الصحيح في هذا الشأن :
ليس حديثنا اليوم في فضل صلاة الجماعة ، فهذا أمر لا مراء فيه ، فقد ثبت في الصحيح عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ” . كما ثبت في الصحيح أيضًا عن أبي سعيد الخدري أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ” صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة ” .
ولكن الأمر الذي يحلو لبعض الناس أن يجادلوا فيه اليوم فهو مدى وجوب الصلاة المكتوبة في المسجد ، وهل يجوز للرجل أن يصلي بأهله الصلوات المكتوبة في منزله وهو يقدر على الخروج إلى المساجد ، وهل يصل الحال بالمسلمين ألا تعمر مساجدهم إلا يومًا واحدًا في الأسبوع هو يوم الجمعة ، وفيما عدا ذلك لا نرى سوى نفر قليل يهرعون إلى بيوت الله إذا سمعوا النداء .
ولنترك أبو عبد الله البخاري يجيبنا على هذا التساؤل ويحسم هذا الجدل بما أورده في صحيحه في كتاب مواقيت الصلاة تحت عنوان :
” باب وجوب صلاة الجماعة : وقال الحسن إن منعته أمه عن العشاء في الجماعة شفقة لم يطعها ” .
في هذا الباب روى البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ” والذي نفسي بيده لقد هممت أن آمر بحطب فيحطب ، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها ، ثم آمر رجلاً فيؤم الناس ، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم ، والذي نفسي بيده لو يعلم أحدهم أنه يجد عرقًا سمينًا أو مرماتين حسنتين لشهد العشاء .
والفجر أيضًا :
وفي نفس الكتاب ” مواقيت الصلاة ” يروي البخاري عن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم :
” ليس صلاة أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء ، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا ، لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ، ثم آمر رجلاً يؤم الناس ، ثم آخذ شعلاً من نار فأحرق على من لا يخرج إلى الصلاة بعد ” .
لماذا غضب أبو الدرداء :
وقد حرص أبو عبد الله البخاري على أن يبين موقف صحابي جليل هو أبو الدرداء في هذه المسألة فيروي عن أم الدرداء تقول : ” دخل على أبو الدرداء وهو مغضب فقلت : ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد ( إلا أنهم يصلون جميعًا ” .
وليس موقف الصحابي الكريم من وجوب صلاة الجماعة في حاجة إلى إيضاح إذ يقول أن هذا ما يعرفه من محمد ( أو من أمة محمد سواء .
مثل محمد رسول اللَّه والذين معه في التوراة :
حسبك يا أخا الإسلام ما أوردناه من الصحيح في هذا الباب دون إسهاب أو تكرار ، فإن الأمر في غاية الوضوح ، والترغيب والترهيب فيما ذكرنا من أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الشأن وردت بأقوى وأبلغ تعبير ، ولو حرص المسلمون على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله لتعلقت قلوبنا ببيوت الله ولصرنا كما وصفنا المولى تبارك وتعالى في ختام سورة الفتح :
{ محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعًا سجدًا يبتغون فضلاً من الله ورضوانًا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوارة … } .
ويا معشر الدعاة إذا رأيتم بيوت الله عامرة ، ونداء المؤذن يستجاب له فاعلموا الإسلام قد عاد إليه شبابه وقوته ، وإذا رأيتم غير ذلك فلا تقصروا في الدعوة فأنتم مسئولون يوم الدين .
وكتبه فقير عفو ربه
حسن محمد الجنيدي