ما هى علوم الدين
التى يقصدها الغزالى في ( احياء علوم الدين )
للدكتور إبراهيم هلال
لقد أطلق أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى على كتابه ( احياء علوم الدين ) هذا الاسم، خداعا للمؤمنين، وتغطية على ما يحتويه من أساليب الوثنية، والعقائد الجاهلية، أو جهلا بعلوم الدين التى هى علوم الدين. وإن تعجب فاعجب من هؤلاء الذين أطلقوا عليه قديما لقب حجة الإسلام جهلا، وزورا وبهتانا، إذ أنه دينا ليس هناك من هو حجة للاسلام الا الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فضلا عن قيمة هذا الرجل الدينية، التى توزعت بين التأسيس للتصوف وخلطه بالفلسفة، أو اقامته عليها، وبين الانسياق في تيار الاراء الالحادية في زمنه التى شككت في البعث والحساب وهل هما بالجسم وبالروح، أو بالروح فقط، واعتناقه ذلك الرأي الاخير مدة من الزمن استغرقت معظم حياته- وقد يكون رجع عن ذلك في السنة الاخيرة التى مات فيها كما يحكى عنه الامام ابن تيمية. ولكن ما يهمنا أن انتاجه الذى خلفه لنا، لا يخول لاحد، أن يجعله قدوة للمسلمين أو يجعله من علماء الدين، ولا يجعل احياءه، احياء لعلوم الدين، فانه يعتبر المؤسس الاكبر للتصوف الفلسفى الذى يتجه اتجاه الاشراقيين من فلاسفة اليونان ومتصوفيهم، والذين يقوم تصوفهم، وفلسفتهم على وحدة الوجود أو الاتحاد كأفلوطين ذلك الشيخ اليونانى السكندرى الذى عاش في القرن الثالث الميلادى وكذلك أفلاطون اليونانى.
وفي الواقع فان التصوف الفلسفى، قد سار شوطا بعيدا على يد الغزالى في رسم طريق المعرفة الاشراقية الوثنية والاتصال بالذات العلية ومشاهدتها، وما تفرع عن ذلك من مذاهب ونظريات مختلفة في تكييف الكون والوجود وصلتهما بالله وصلة الله بهما، تكييفا وثنيا شركيا، ووصف الله سبحانه، بما لا يليق به كما قال تعالى: ” وما قدروا الله حق قدره، والارض جميعا قبضته يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون.
هذه الآراء والافكار الجاهلية الوثنية، لا مجال لسردها وتفصيلها الآن، لاننا بصدد بيان أن احياء الغزالى ليس احياء، واما هو اماتة. وذلك لمنهج الغزالى فيه، ثم شخصية الغزالي نفسها فيه وفي غيره والتي فرضت عليه أن يجعل الاحياء بهذه الصورة. وربما كان هو المسئول الاول عما حدث بعد ذلك في الفكر الإسلامى، من تطور الذوق والاشراق، إلى ذلك المظهر العرفانى الغيبى الباطنى الصارخ، والذى ظهر على يد السهروردى الحلبى المقتول على يد الامام صلاح الدين الايوبى السنى حاكم مصر في الايام الاخيرة للصلبييين، ومطهر البلاد الإسلامية منهم، ومن الفاطميين.
وكذلك فان الغزالى أستاذ لابن عربى، وهو الممهد له للقول بوحدة الوجود، فقد ظهرت بذورها عند الغزالى وكذلك ابن سبعين الذى أتى بعدهما.
ومفتاح فلسفته في التصوف، هو تلك التسمية الباطلة التى سمى بها كتابه الضخم في الحجم، الضئيل الحقير فيما يحتويه من تصوف ذلكم الكتاب المشهور باسم ( احياء علوم الدين ).
وبتدبرنا لمقدمة الكتاب، وأول باب العلم الذى هو أول أبواب الكتاب، نجد أنه لا يقصد بعلوم الدين الكتاب والسنة، ولا علوم الفقه والتشريع، وانما يقصد بعلوم الدين ( علم الباطن، وعلم المكاشفة والمشاهدة ) كما يرى أنه هو العلم المقصود في قوله صلى الله عليه وسلم “طلب العلم فريضة علي كل مسلم ومسلمة ” وهذا توجيه باطني صوفى، يبرأ منه الحديث، ويبرأ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبلغ به الامر إلى أن يضع هذا العلم الاخير ( علم الباطن ) في القمة وأن تعلمه فرض عين. ويضع علم الفقه بجانب علم الطب ومن فصيلته، وأن تعلمه فرض كفاية، كتعلم الطب تماما بتمام. بل ويصرح بأنه ما أتى بالعبادات في هذا الكتاب إلا ليوهم أرباب الشريعة ومحبى دراستها أنه يدرس معهم علم الظاهر، أو علم الفقه، وفي نفس الوقت يقدمه لهم فيه مبطنا ومحشوا بعلم الباطن وعلم المعرفة الذوقية، وهم لا يدرون، ومن قوله في ذلك: ” فلم أبعد أن يكون تصوير الكتاب بصورة الفقه تلطفا في استدراج القلوب”- (الاحياء ص 5 طبعة الشعب ).
فكأنه بذلك قد اتخذ الدين، والعبادات ذريعة إلى ايقاع العوام ومن ليست لهم قدم راسخة في فقه كتاب الله وسنة الرسول- في علم الباطن، والتفلسف والتشيع الغالى، التى هى لب التصوف المقيت.
زد على ذلك أنه يقف من الفقه وعلمائه موقف العداء بصفتهم علماء الظاهر، لا علماء باطن ( انظر الاحياء: كتاب العلم من ص 2- 49 ).
ولذلك نبه السابقون ومن عاصروه، على وجوب التفطن والحذر عند قراءة الاحياء، وأنه لا تجوز قراءته إلا لمن خبر أساليب القوم، وفهم مراميهم التصوفية، وقد قال الإمام أبو عمر بن الصلاح نقلا عن الامام المازري من كلام طويل له في محاسن الاحياء ومذامه، ” بأن من لم يكن عنده من البسطة في العلم، ما يعتصم به من غوائل هذا الكتاب فإن قراءته لا تجوز له “.
فهذا مبلغ تحرز علماء السنة السابقين من قراءة هذا المسم