عمل السنة والفرقة الناجية
بقلم الأستاذ
محمد نجيب المطيعي
صاحب تكملة المجموع شرح المهذب
كنت قد كتبت في جريدة الجمعة من صحيفة الأخبار اليومية مقالات بعنوان ( الأستاذ ) كان قد طلبه مني صديقي الأستاذ عبد الوارث الدسوقي نائب رئيس تحرير الأخبار استمرارا للخطة المثلى في نشر الوعي بالأسس العلمية بعامة وعلم الحديث بخاصة ، وترشيد المثقفين المسلمين في الجوانب الخاصة بالمناهج العلمية عند سلفنا الصالحين .
ولا ريب أن أكثر قراء ( التوحيد ) قد ألموا بذلك المقال لأنه كالمقدمة لهذا البحث ، راجيًا أن تكون ( التوحيد ) منبرًا يرتفع من خلاله صوت كل من يسهم بنصيب في محو الأمية الحديثية ، لا بين العامة وإنما بين من يتصدرون للدعوة ، ويباشرون تنوير الأذهان وهم عاطلون من أهم مصدر للنور ، ألا وهو العلم الموصل إلى الصحيح من قول من أتى جوامع الكلم صلى الله عليه وسلم.
ولقد رأينا في أيامنا هذه أناسًا عليهم مخايل التعلم وما هم بعالمين ، وفي أقلامهم ذرابة الادعاء وما هم بمحققين ، يردون السنة ويدفعونها بكل صلف واغترار ويتحملون في سبيل تعطيلها كل الأعذار .
ولما كانت السنة هي المصدر الثاني للدين ، بها عرفنا الحرام والحلال والواجب والمحظور ؛ فإن أعداء الإسلام – وهم يبغون هدمه – لم يجدوا مدخلاً أقوى من هذا المدخل ؛ وهو التشكيك في السنة حتى ألجأهم ذلك الغرض الخبيث إلى التطاول على الصحابة وبعض أمهات المؤمنين ، جرفهم في هذا التيار ولاؤهم للمستشرقين الذين يتظاهرون بتحرير الأمور وتحقيقها من حيث يبطنون الكيد والسخيمة لدين اللَّه .
ولقد عركت هؤلاء منذ مطلع الشباب إلى يوم الناس هذا فوجدتهم يصدرون عن مورد واحد ثم يرمون هدفًا فذًا ، ويرومون غرضًا واحدًا ، رأيت منذ أربعين عامًا شخصًا في الإسكندرية يحمل حملة شعواء على نقلة السنة من الصحابة وأكثرهم حفظًا لها وبخاصة أبي هريرة وابن عباس وعائشة أم المؤمنين ، ولا غرو أن هذا ومن نهج نهجه وسلك سبيله إذا قصدوا هدم هؤلاء الثلاثة فقد قوضوا دعائم السنة ، فإذا أضيف إلى هذا التهوين من شأن ديوان عتيد كصحيح البخاري ، فقد بلغوا الغاية في النقض والتخريب ، وكانت عاقبة هذا الشخص أن مات منتحرًا وهو الآن يعرض على ما كان ينكره من الغيب غدوًا وعشيًا ، وكان خاتمة هذه الشرذمة رجلاً من المنصورة معروفًا لدينا جميعًا في مصر . على أن هؤلاء المشاغبين لم يكونوا بدعًا من نظائرهم وأشباههم إلا من عصم اللَّه من طلاب الحق ، ففي المستدرك من حديث الحسن البصري قال : بينا عمران بن حصين يحدث عن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل : يا أبا نجيد حدثنا بالقرآن فقال : أنت وأصحابك تقرءون القرآن أكنت محدثي عن الصلاة وما فيها وما حدودها ؟ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال ؟ فقال له الرجل : أجبتني أحياك اللَّه . رواه ابن حبان في صحيحه . وقال صلى الله عليه وسلم : (( لتسمعون ويسمع منكم ويسمع من يسمع منكم )) . رواه أبو داود بإسناد صحيح .
فامتثل أصحابه صلى الله عليه وسلم أمره ونقلوا أفعاله ونومه ويقظته وغير ذلك ، وليس في الدنيا رجل سجلت حياته الخاصة والعامة كما فعل أصحاب محمد بمحمد صلى الله عليه وسلم ، بل إن جابر بن زيد المكنى بأبي الشعثاء وهو أحد كبار التابعين الثقات كان يأتي بيت عائشة أم المؤمنين رضي اللَّه عنها فيخاطبها من وراء حجاب يسألها عن أدق أسراره صلى الله عليه وسلم في بيته ، حتى عن كيفية وقاعه صلى الله عليه وسلم ، وكان وجهها رضي اللَّه عنها يحمر خجلاً ، وتقول : سل يا إبناه . سل يا إبناه .
ويقول صلى الله عليه وسلم : (( يوشك أن يكون أحدكم متكئًا على أريكته فيحدث بحديثي فيقول : بيننا وبينكم كتاب اللَّه ما فيه من حلال حللناه وما فيه من حرام حرماه ، ألا وإن ما حرم رسول اللَّه مثل ما حرم اللَّه )) . حسنه الترمذي وصححه الحاكم والبيهقي .
وقال مالك رضي اللَّه عنه : بلغني أن العلماء يسألون يوم القيامة عن تبليغهم العلم كما يسأل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام . وقال سفيان الثوري : لا أعلم علمًا أفضل من علم الحديث لمن أراد به وجه اللَّه تعالى ، إن الناس يحتاجون إليه حتى في طعامهم وشرابهم فهو أفضل من التطوع بالصلاة والصيام لأنه فرض كفاية ، وفي حديث أسامة بن زيد رضي اللَّه عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( يحمل هذا العمل من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين )) . وهذا الحديث رواه من الصحابة علي وابن عمر وابن مسعود وابن عباس وجابر بن سمرة ومعاذ وأبو هريرة وأورده ابن عدي في الكامل من طرق كثيرة كلها ضعيفة كما صرح بذلك الدارقطني وأبو نعيم وابن عبد البر ، وقد اعتبره القسطلاني حسنًا يحتج به لتقويه بتعدد طرقه . قال الإمام النووي في المجموع – بتحقيقنا وتكملتنا – هذا إخبار منه صلى الله عليه وسلم بصيان