عقائد الصوفية في ضوء الكتاب والسنة الحقيقة المحمدية عند السلف الصالح
بقلم أ / محمود المراكبي
الحمد لله الملك الحق ، الذي يحق الحق بكلماته ، وأمرنا بقوله : ( وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ) [ الإسراء : 81] ، نستعين به سبحانه ، ونصلي ونسلم على من تنزل الهدى الحق على قلبه ليكون للعالمين نذيرًا ، فجاء بالصدق وصدق به ، من تمسك به فقد هدي إلى الصراط المستقيم ، وبعد :
رابعًا : حقوق الأنبياء في الكتاب والسنة :
نتابع في هذه الحلقة – بعون الله تعالى – الحديث عن حقوق الأنبياء على أتباعهم من هدي كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما ينبغي أن يكون عليه اعتقاد المؤمنين المقتدين بالرسل والأنبياء ، وما هو حد التوسط في اعتقاد الناس عن الرسل المبلغين عن الله بين طرفي الإفراط والتفريط ، وأول هذه الحقوق هو :
1- التعزيز والتوقير :
قال تعالى : ( إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا(8) لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ) [الفتح : 8 ، 9 ] ، فالتعزيز : النصر ، والتوقير : التأييد ، وهذا في حق الرسول صلى الله عليه وسلم ، أما التسبيح بكرة وأصيلاً فهذا حق الله عز وجل ، قال تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ ءَامَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) [ الأعراف : 157] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم هو المبلغ لشرع ربه ، وبالتالي فإن طاعته طاعة لمن يبلغ عنه ، ويجب على من يؤمن به أن يعزره وينصره ، ويتبع النور الذي أُنزل معه .
2- الطاعة التامة :
أرسل الله تبارك وتعالى رسله ليدلوا الناس على التوحيد ، وقد مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم أول ثلاث سنوات يدعو قومه إلى لا إله إلا الله ، حتى تمكن التوحيد من قلوبهم تتابع الوحي ، وفصلت الرسالة أحكام الدين وحث الناس على طاعة ربهم ، ومن هنا جاءت الآيات التي تحدد سبل الفوز والنجاة ، قال تعالى : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ) [ الأحزاب : 71] ، ففي طاعة الله ورسوله تفتح أبواب الرحمات ، قال تعالى : ( وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) [ آل عمران : 132] ، والله تبارك وتعالى يبشر الطائعين بالجنة والرضوان في محكم التنزيل ، قال سبحانه : ( وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا ) [ الفتح : 17] ، أما الإعراض عن طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ففيه إبطال للأعمال وتوقف عن السلوك إلى الواحد الديان ، قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) [ محمد : 33] ، وقد يصل الإعراض عن أمر الله تعالى إلى حد الكفر إذا كان الأمر خاصًّا بالعقيدة أو الشرك ، قال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِين ) [ آل عمران : 32] .
فالمسلم عليه طاعة الله ورسوله حال سماعه لأحكام الكتاب والسنة ، ولا ينبغي له أن يزيغ أو يتهرب أو يحرف الكلم عن مواضعه ليحيد عن أمر الله وأمر رسوله ، ويحذرنا الحق تبارك وتعالى من هذا التصرف بقوله : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) [ الأنفال : 20] ، كما أن لله طاعة ، فإن للرسول طاعة أيضًا ، قال تعالى : ( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) [ النساء : 59] .
وقد نص القرآن الكريم على طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم طاعة منفردة ؛ لأنه مبلغ عن مولاه ، وذلك في مواضع عديدة ؛ منها قوله تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) [ النساء : 64] ، كما أشار القرآن إلى معصية الفاسقين لله ولرسوله ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَعْ