رمضان وكيف أسأنا إليه
بقلم: محمد عبد اللَّه السمان
كلما حل شهر رمضان المعظم، نشطت وسائل الإعلام نشاطًا لافتًا للأنظار، سواء في الإذاعة أم في التليفزيون أم في الصحافة، ولكنه نشاط مذموم في الغالب منه، فكل البرامج التافهة، والمسلسلات الهابطة لا تجد سوقا لهم إلا في هذا الشهر المبارك الذى أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان، وفي إيجاز يمكن أن نقول: إن هذا الشهر- شهر العبادة وزيادة التقرب إلى اللَّه- يتحول بقدرة قادر إلى دعاية لأهل الفن الهابط، وإعلان عن أعمالهم وأنشطتهم التى تؤدى بوحى من الشيطان.. والمسئولون الكبار والصغار- سواء في الإذاعة أم في التليفزيون لا يتقون اللَّه فيما يذاع على المسلمين في رمضان من أفلام ومسرحيات ومسلسلات، لا تخلو من الرقص الخليع، ولا نملك إلا أن نقول بملء أفواهنا: حسابهم على اللَّه وحده..!
أما الصحافة فشأنها مثير للدهشة، فقد امتلأت صفحاتها الدينية بالإسفاف الذى يشوه سمعة الإسلام وسمعة تراثه الأصيل.. وما هو مثير للعجب أن جريدة الأحرار قد أقحمت نفسها على الإسلام، فخرجت علينا في ثالث أيام رمضان بصفحة دينية، في صدرها مقال لشيخ الأزهر الدكتور عبد الحليم محمود، عنوانه: ( الطريق إلى اللَّه ) وهو عنوان فيه إغراء، ولندع المقال وشأنه، لنقف- فحسب- عند قصة عجيبة وردت في المقال، قال فضيلته:
( وإن من طرائف العقول المستبصرة، ما رواه صاحب كتاب الشامل، ونقله عنه الإمام ابن كثير في تفسيره، من أن أعرابيًا جاء إلى الضريح النبوى الشريف، وقال: السلام عليكم يا رسول اللَّه.. لقد قال اللَّه في كتابه العزيز: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا} وقد جئتك مستغفرًا لذنبى، مستشفعًا بك إلى ربى، ثم أنشد يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه فطاب من طيبهن القاع والأكم
نفسى الفداء لقبر أنت ساكنه فيه العفاف وفيه الجود والكرم
ثم انصرف الأعرابى، وكان جالسًا بالقرب منه رجل صالح يسمع كلامه، فأخذته سنة من النوم، فرأى النبي صلى الله عليه وسلم في النوم يقول له: الحق بالأعرابى فبشره بأن اللَّه قد غفر له ).
وهذه قصة ملفقة، وليس صاحب الشامل المزعوم بحجة علينا فيما يؤلف من قصص، وابن كثير أيضًا ليس حجة علينا فيما نقل، وما أكثر القصص الملفقة في هذا الصدد، ولا يتسع المجال لسرد شيء منها،ولم يرو عن أحد من أصحاب رسول اللَّه- صلوات اللَّه وسلامه عليه- ولا من التابعين أو حتى تابعى التابعين، أنه كان يذهب إلى قبر الرسول متوسلاً به، والآية الكريمة تشير إلى أن ما حدث كان في حياة الرسول، ولا يقبل المنطق أن يقاس عليها، فيجوز التوسل بالرسول بعد وفاته، إذ كيف يذهب مسلم إلى القبر متوسلا،واللَّه تعالى يقول لنبيه: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ}..؟؟
وفي نفس صفحة جريدة الأحرار، مقال عن الشيخ الشعرانى صاحب الضريح المشهور بباب الشعرية بالقاهرة، والمقال تمجيد للشيخ الشعرانى، باعتبار أنه كان علمًا في التصوف يلتقى بالعلماء ويعلم الأبناء والأساتذة على السواء، وأنه ألف سبعين كتابًا خالدًا، منها كتاب الطبقات الذى هو أسوأ ما ألف الشعرانى، فكله دجل وشعوذة وسخرية من عقول المسلمين، ويبدو أن كاتب المقال يجهل كل شيء عن حقيقة الشعرانى: ( ولما دخلت بزوجتى فاطمة أم عبد الرحمن- وهى بكر- مكثت خمسة شهور لم أقرب منها، فجاءنى السيد البدوى فأخذنى وهى معى، وفرش فوق القبة التى على يسار الداخل، وطبخ لى حلوى، ودعا الأحياء والأموات إليه،وقال لى: أزل بكارتها هنا.. فكان الأمر تلك الليلة ) ورحم اللَّه الدكتور زكى مبارك، الذى كان يقول: من قرأ كتب الشعرانى خرج منها وهو مجنون..
وأما جريدة الأخبار- عفا اللَّه عنها- ففي الصفحة الرمضانية اليومية حلقة عن العلم الصوفى، وكأن المسلمين اليوم قد أحاطوا بكل العلوم والمعارف، ولم يبق إلا أن يعرفوا الإشارات الصوفية، والشطحات والألغاز، أن يعرفوا القبض والبسط والجذب، وما هو أعجب من هذا أن تنشر الأخبار مقالاً عن المدعو ( إبراهيم المتبولي ) فيجتر كاتبه كلامًا منقولاً عن دولة الدراويش، فالملاحظ أن الخلف من المتصوفة يمجدون السلف منهم، ويضفون عليهم ألوانًا من القداسة، وينسبون إليهم خليطًا من الكرامات المؤلفة، وذلك للحفاظ على دولتهم، يقول كاتب المقال: إن إبراهيم المتبولي من أصحاب الدوائر الكبرى في الولاية..!! كان يرى النبي صلى الله عليه وسلم في المنام كثيرًا، ولما سافر إلى القدس الشريف زار قبر السيدة مريم ابنة عمران أم المسيح عليه السلام وأمضى ليلة كاملة يتلو عنده القرآن. فرأى بعض القراء سيدنا عيسى وهو يقول: سلم لنا على إبراهيم، وقل له: جزاك اللَّه عنه وعن


